«اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ» حالتكم وما تتمكنون أن تعملوه، وهذا الوعيد تهكم بسوء عاقبتهم إذا بقوا مصرين على ما هم عليه على حد قوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) الآية ٤٧ من سورة فصلت الآتية «إِنَّا عامِلُونَ ١٢١» دائبون على ما أمرنا به «وَانْتَظِرُوا» بنا ما تتصورونه أن يقع بكم من الدوائر «إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ١٢٢» ما يحل بكم من العذاب وينتقم منكم كما انتقم ممن قبلكم أمثالكم المكذّبين «وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» من كل ما يقع فيها وفوقها وتحتها، ومن كان كذلك فلا يخفى عليه شيء من أعمال من هو بينهما وأعلاهما وأسفلهما «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» فيما يتعلق فيكم وفي غيركم، وعليه فلا بدّ من مصيركم إليه فينتقم من الكافر، وينعم المؤمن، ثم التفت إلى صفيّه محمد صلى الله عليه وسلم فقال عزّ قوله وأنت يا أكمل الرسل «فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» فهو كافيك وكافلك، وقد جاء في الحديث الشريف من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى. ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم متوكل على ربه حق التوكل، وإنما يراد منه الدوام والاستمرار، أي فداوم على ما أنت عليه يا سيد الرسل ولا تبال بالذين لا يؤمنون بك، ولا يضيق صدرك من تكذيبهم «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ١٢٣» أنت ومن آمن بك وأمتك كلهم مؤمنهم وكافرهم، لأن أعمالكم جميعا يحصيها عليكم ويجازيكم عليها السيء بمثله والحسن بأمثاله. وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد غير الموفق غافل عن عمله لا يدري ما يفعل به، حتى إذا وقع أمر الله به انتبه فندم من حيث لا ينفعه الندم. أجارنا الله من ذلك. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
تفسير سورة يوسف عدد ٣- ٥٣ و ١٢
نزلت بمكة بعد سورة هود عدا الآيات ٢ و ٣ و ٧ فإنهن نزلن بالمدينة، وهي مئة واحدي عشرة آية، ومثلها في عدد الآي سورة الإسراء فقط، وألف وستمئة كلمة، وستة آلاف وستون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.