بالإنذارين، وإنما أعمكم جميعا لأنكم في المعاداة سواء. على وجه نستوي فيه نحن وأنتم بالإعلام والإخطار، وهذه طريقة الأنبياء قبلي إذ كانوا يخوفونهم وينذرونهم عذاب الله، لا يخصون بإنذارهم أحدا، وهانذا أنصحكم فتأهبوا لما يراد بكم «وَإِنْ أَدْرِي» وما أعلم يا قوم «أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ» ١٠٩ به من العذاب الذي تجازون به على أعمالكم القبيحة، لأن الله لم يطلعني عليه ولا على وقت وقوعه، فأنا وأنتم بعدم العلم به سواء، ولكنه كائن لا محالة «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ» ١١٠ لا يعزب عنه شيء فكل ما تكنّونه لي من الحقد والإحن وما تطعنون بي وبديني معلوم عند الله، ولا بد أن ينتقم لي منكم إن لم تتوبوا وترجعوا عن غيكم في الدنيا أو في الآخرة، وإني لأرجو أن ينتقم منكم فيهما إن بقيتم مصرين
«وَإِنْ أَدْرِي» وما أدري «لَعَلَّهُ» أي تأخير العذاب عنكم «فِتْنَةٌ لَكُمْ» امتحان واختبار يختبركم به الله لتعلموا أنتم وليعلم بعضكم بعضا أن الحجة عليكم، وإلا فإن الله تعالى عالم بما هو واقع منكم قبل وقوعه، وما أدري هل هذا الإمهال استدراج تغترون به «وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» ١١١ معلوم عنده تتمتعون به أياما قليلة، ثم يريكم سوء صنيعكم قبيح عملكم وخبث فعلكم «قالَ» وقرىء قل يا أكمل الرسل «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» بيني وبينهم والله تعالى يحكم بالحق بين جميع خلقه على السواء، ومعنى هذا الطلب ظهور الرغبة من الطالب وإعلام المطلوب أنه لا يريد غير الحق من ربه، لتطمئن نفسه بأن إلهه لا يحب إلا طلب الحق، ولكن طلب الرسول هذا يفيد الاستعجال، بنزول العذاب بقومه لما رأى من تضاعف عنادهم وتكاثر عتوهم وتوالي أذيتهم له ولقومه وتطاولهم على دينه وكنابه وإن الله تعالى قد أقر عينه فيهم، إذ عذبهم في واقعة بدر، وقهرهم في فتح مكة في الدنيا، ولعذاب الآخرة المخبوء لهم أشد وأدهى، كما أنه أقر عينه بمن آمن منهم، لأن إيمانهم أحب إليه من كل شيء «وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ» به «عَلى ما تَصِفُونَ» ١١٢ به حضرته المقدسة من الشرك وتصمونه من التكذيب وتوقعونه بنبيه وأصحابه من الأذى والإهانة ولا عون لرسوله عليكم غيره، أضاف صلّى الله عليه وسلم لفظ الرب لنفسه وحده، لأنه في معرض الدعاء