[مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:]
واعلم أن كلمة الحساب تأتي على ثلاثة أوجه بمعنى التعب والسبب والتغير والبسط كما هي الحال هنا، وبمعنى العدد، كما في قوله تعالى (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) الآية ١٤ من سورة الزمر في ج ٢، وبمعنى المطالبة كما في قوله تعالى (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) الآية ٣٩ من سورة ص في ج ١، فكل ما جاء في القرآن العظيم من هذه اللفظة لا يعدو احدى هذه المعاني الثلاثة.
وما جاء في بعض الكتب المنزلة: أنا الله ملك الملوك ومالك الملك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا لي أعطفهم عليكم. وجاء في الخير أن موسى عليه السلام قال فما علامة سخطك من رضاك يا رب؟ فأوحى إليه إذا استعملت على الناس خيارهم فهو علامة رضاي، وإذا استعملت شرارهم فهو علامة سخطي. وهذا على حد قوله كما تكونوا يولى عليكم. وقوله أعمالكم عما لكم.
قالوا للحجاج الثقفي لم لا تعدل وقد شاهدت زمن عمر؟ قال تبذروا لي أنعمر لكم.
أي كونوا كأبي ذرّ من أصحاب عمر في الزهد والتقوى أكن لكم كعمر في العدل والإنصاف. وهذا لا يخلصه من الله فيما جار في حكمه إذ كان عليه أن يعدل في كل حال، لأن الحاكم مكلف بالعدل أحسن الناس أم أساؤوا. وتفيد هذه الآيات أن العزة والكرامة من منح الله تعالى ينشرها على من يشاء من عباده وأن الخير كله منه، وان تقسيمه على الخلق تابع لسنن مطردة عنده تعالى يجعلها في صالح خلقه، كما أن تفاوت ساعات الليل والنهار وتداخلها بحسب تطور الفصول هو في مصلحتهم أيضا. والحكم الشرعي وجوب الاعتقاد بما ذكر من المشيئة لا على الأسباب، لأن القول بترتب الأسباب على المسببات يستلزم الدور والتسلسل ويتعارض مع كمال القدرة، وان ما قضت به حكمة الله من السنن والأسباب الظاهرة عبارة عن وسائل ومظاهر خارجية لا تأثير لها في خلق الحوادث وإيجاد المسببات، لأن الله تعالى له أن يغير تلك السنن ويعطل هاتيك الأسباب التي نراها