وهذا ما حمل إبليس على العناد والاستكبار والافتخار، والطين عدة المسالك ومظنة الأمانة والإنماء، والنار عدة المهالك وخطة الخيانة والإفناء، والطين يطفىء النار ويتلفها وهي تصلحه وتقويه، فقد غفل اللعين عن هذه الفضائل وزل بفاسد المقاييس فأخطأ وهو أول من قاس فأخطأ، قال ابن سيرين ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس، على ان الأفضلية ليست بفضيلة الأصول والجوهر بل لمن يجعله الله فضلا، لأن المؤمن الحبشي خير من الكافر القرشي، وان آدم اختصه الله فجعله صفيه وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه اسماء الأشياء كلها وأورثه الاجتباء والتوبة والهداية، والاستثناء في هذه الآية منقطع لأن إبليس ليس من جنس الملائكة وانما استثناه منهم لأمره بالسجود معهم ولما لم يسجد أخبر الله عنه انه لم يكن من الساجدين لا انه من الملائكة وقد ثبت انه من الجان.
قال تعالى:(كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) الآية ٥٠ من الكهف في ج ٢ وانه خلق من النار والملائكة من النور. قال تعالى «فَاهْبِطْ» أيها اللعين المتخلف عن أمرنا «مِنْها» أي الجنة «فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها» وتتجبر لأنها لم تخلق للمتكبرين ولا ينبغي أن يسكنها متجبر «فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ١٣» الأذلاء المهانين المحقّرين لعدم امتثالك أمري. وان التعظيم في الأصل لله لا لآدم.
قال ظافر الاسكندري:
أنت المراد بنظم كل قصيدة ... بنيت على الأفهام في تبجيله
كسجود أملاك السماء لآدم ... وسجودهم لله في تأويله
فأخرج وطرد حالا ولما علم أن سقط في يده «قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ١٤ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ١٥» تقدم تفسيرها في الآية ٧٤ فما بعدها من سورة ص المارة والذي جرأ الملعون على هذا السؤال علمه بحلم ذي الجلال وانما أجاب جل جلاله سؤاله بالامهال ليعلم خلقه برّه وإحسانه إلى من يسيء إليه فكيف اذن عطفه ولطفه بالمؤمنين المحسنين، ولما لم يرق له هذا الإمهال للسبب المتقدم هناك أيضا