تدبر، قال تعالى «وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ» لنطفىء به بعض حرارة هذه النار المحرقة «أو» أعطونا «مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» من الأشربة الطيبة لنبلّ به غليل قلوبنا، وهذه الآية تؤيد ما ذكرناه آنفا من أن الجنة فوق النار وأن لا حاجز بينهما غير السور المار ذكره «قالُوا» مجيبين لهم «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما» أي ماء الجنة وشرابها «عَلَى الْكافِرِينَ ٥٠» به الجاحدين رسله وكتبه وهم
«الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ» في الدنيا فجعلوه «لَهْواً وَلَعِباً» فحرموا ما شاءوا وأحلوا ما أرادوا وعبدوا ما زين لهم الشيطان وعملوا ما هوته أنفسهم «وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا» بزخارفها الفانية وخدعهم أملهم فيها فلم يلتفتوا إلى صانعهم الحقيقي وكتابه المنزل ولم يكترثوا برسله بل أهانوهم وكذبوهم «فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ» من رحمتنا فنهملهم ولا نعتد بهم ولا نسمع دعاءهم «كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا» وأهملوه فلم يعملوا صالحا لأجله ولم يعتدوا به لذلك فإني أعرض عنهم كما أعرضوا عن آياتي ورسلي «وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ٥١» يكذبون بها وبالذين جاءوهم بها، وسمى الله جزاء نسيانهم نسيانا على طريق المجاز، وهو عبارة عن تركهم في العذاب وعدم الالتفات إليهم وقد تعبر العرب بالنسيان عن الترك وإلا فإن الله تعالى لا ينسى شيئا، والمعنى أنا نعاملهم معاملة الناسين عبيدهم من خيرهم لأنهم لم يعترفوا بوحدانيتنا في الدنيا وأشركوا معنا من لا يستحق العبادة ولا ينفع نفسه. هذا ما قصه الله على نبيه من حال آدم وإبليس وأحوال الذين عبدوا غيره، والذين حللوا وحرموا حسب أهوائهم، وحال أهل النار وأهل الجنة وأهل الأعراف، هم التفت إلى نبيه صلّى الله عليه وسلم وقال مقسما «وَلَقَدْ جِئْناهُمْ» أي قومك يا محمد «بِكِتابٍ» عظيم جليل أنزلناه عليك وقد «فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ» منا بوجه تفصيله ووضحنا حلاله وحرامه ومواعظه وأخباره وقصصه وأمثاله وجعلناه «هُدىً» لمن اهتدى به «وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٥٢» به فلماذا لا يؤمن هؤلاء الكفرة كي يقتبسوا من أنواره وينتفعوا بنوّاره كغيرهم ممن ذاق حلاوته، «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ» أي أيتوقعون ما أوعدوا به من العذاب فيه، وما يؤول إليه أمرهم