الأعراف مع كفاية الإضمار للفرق بين المراد منهم هنا، لأن المنادى هناك الكل وهنا البعض، ولزيادة التقرير «يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ» التي كانوا عليها في الدنيا، لأن صورة الرجل مهما شوهت لا بد أن تبقى سيماها الدالة عليها، انظر إلى صور الرجال الذين يعلنونهم في الجرائد الهزلية كيف يشوهونها ويخرجون بعضها عن صورة الإنسان إلى غيره من الحيوانات وعند ما تراها تعرفها صورة من هي، فكذلك هنا لأن الله تعالى لم يجعل شيئا في الآخرة إلا وجعل له مثالا في الدنيا إلا أن الفرق شاسع «قالُوا» أصحاب الأعراف لأولئك الرجال الكبار المشهورين «ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ» كثرتكم في الدنيا وما جمعتموه من مال ونشب واتباع وأشياع «و» ما أغنى عنكم أيضا «ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ٤٨» عن الإيمان بالرسل وعلى الناس أجمع في دنياكم، وهذا استفهام تقريع وتوبيخ، أي أن ذلك كله ما وقاكم من عذاب الله بل زادكم تعذيبا به. قال الكلبي ينادونهم من على السور يا وليد بن المغيرة يا أبا جهل بن هشام يا فلان يا فلان، لكل جحجاح فخور من فراعنة أمة محمد وهكذا
فراعنة الأنبياء السالفين ينادونهم جماعة منهم الذين يعرفونهم.
ثم خاطبوهم ثانيا مشيرين إلى طائفة من أهل الجنة كانوا فقراء في الدنيا يسخرون منهم ويستهزئون بهم ويضحكون عليهم قائلين «هؤُلاءِ» صهيب وسلمان وخباب وغيرهم من فقراء أمة محمد وأصحاب العفة الذين كنتم تأنفون مجالستهم في الدنيا حتى أنكم طلبتم من حضرة الرسول أن يعين لهم مجلسا على حدة لئلا يحضروا معكم تباعدا عن أوساخهم ورثاثة لباسهم «الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ» حالة كونكم في الدنيا بأنه «لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ» نراهم قد نالوها وقد قال لهم ربهم الذي كنتم تجحدونه «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ» فدخلوها وأنتم الآن في النار تعذبون وهم ينعمون وقد زادهم فضلا بقوله لهم «لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ» الآن مما يخافه غيركم «وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ٤٩» على ما فتكم من نعم الدنيا ولا مما يلاقي هؤلاء إذ لا يهمكم شأنهم الآن كما كانوا في الدنيا لا يهتمون بكم، وكذلك الذين من هذا القبيل من أتباع الرسل المتقدمة، لأن الآيات كلها عامة، وان تخصيصها بأناس لا ينفي عمومها عن شمول غيرهم،