[مطلب لكل نفس حظ من نشأة آدم، وقبر الإنسان من محل الذرة التي خلق منها:]
واعلموا أن هذه الأرض التي فيها منافعكم في الدين «مِنْها خَلَقْناكُمْ» أي خلقنا أصلكم آدم، لأنه من ترابها، أو لأن النطفة من الأغذية والأغذية من الأرض، فيشمل خلقكم منها أيضا أو من ضمن خلق آدم، لأن كل فرد من البشر له حظ من خلقه، لأن فطرته لم تقتصر عليه فهو أنموذج منطو على فطرة سائر البشر انطواء الجنس على أفراده انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل، فكان خلقه منها خلقا للكل، يشهد عليه قوله تعالى «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» الآية ٩٨ من ج ٢، راجع تفسير الآية ٩ من سورة مريم المارة في هذا البحث.
وقيل إن الله تعالى إذا أراد تكوين النطفة من الرحم أمر الملك الموكل بذلك أن يأخذ ذرة من التراب الذي تدفن فيه فيذرها في النطفة فتخلق منها ومن التراب قال تعالى (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) الآية الأخيرة من سورة لقمان في ج ٢، لأنها لا تدري من أي ذرة من ذرات الأرض تكونت، وقيل في هذا المعنى:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير
وقال الآخر:
مشيناها خطا كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطا مشاها
وأرزاق لنا متفرقات ... فمن لم تأته منّا أتاها
ومن كانت منيّته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها
ومن علم أن الله قادر على كل شيء لا يستبعد هذا لأن العقائد لم تقتصر على المحسوسات وليس كل ما يقوله العقل جائزا على الله، تدبر قول ابن الفارض رحمه الله:
واني وان كنت ابن آدم صورة ... فلي منه معنى شاهدا بأبوتي
«وَفِيها نُعِيدُكُمْ» نقبركم إذا متم كما أن من تأكله الطيور والوحوش والحيتان ومن يموت حرقا وغرقا تضمه الأرض ايضا لا يفلت منها أحد، لان مصير الكلّ التراب وهو من الأرض حيث تنظم تلك الذرات الطائرة والمأكولة إليها، ثم