يقال خطر ببالي كذا. أي فكرت به، ثم أطلق على الحال التي يعتريها وهو مفرد لا يثّنى ولا يجمع، وشذّ قولهم بالآت ومن هذا قول بعض الناس عند خروجه من مجلسهم، خاطركم أي أبقوني في بالكم لا تذكروني الّا بخير، أي إذا كنت رسولا وتدعي وجود إله غيري أخبرني عن أحوال «الْقُرُونِ الْأُولى» ٥١ التي كانت تعبد الأصنام وتنكر البعث، لأنا على طريقتهم، وهذا على طريق المحاجّة معهما «قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي» لأنه عليه السلام لم يعلم شيئا عن أحوالهم ولم يعلمه ربه أخبارهم والتوراة لم تنزل بعد عليه لذلك رد العلم إلى الله وأكده بقوله إن أخبارهم كلها مدوّنة «فِي كِتابٍ» عند ربي «لا يَضِلُّ رَبِّي» شيئا منها «وَلا يَنْسى» ٥٢ ما يستحقونه من ثواب وعقاب، ونظير هذه الآية في المعنى الآية ٤٥ من سورة الكهف في ج ٢، فهو «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً» فراشا ومنه المهد السرير للطفل، فهي مهد الأحياء والأموات «وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا» طرقا بين الأودية والجبال كما في السهل ليتيسر لكم المشي فيها «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً» فيه حياة كل شيء لكمال المنافع. ثم التفت من الخطاب إلى التكلم فقال «فَأَخْرَجْنا بِهِ» بذلك الماء «أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى» ٥٣ مختلف اللون والطعم والرائحة والشكل والمنفعة «كُلُوا» أيها الناس ما تشهون منها «وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ» مما يصلح لها منه «إِنَّ فِي ذلِكَ» الذي ذكرته لكم «لَآياتٍ» عظيمات «لِأُولِي النُّهى» ٥٤ العقول تنهاهم عن عبادة غير الإله الواحد، وعن جحود البعث والنبوة، وتأمرهم بالإيمان بذلك. وسمى العقل نهى لأنه ينهى صاحبه عما يضره مادة ومعنى، وعقلا لأن يعقل صاحبه عما نهى الله ورسوله، وحجى لأن يحاجج به ويدعم حجته لإلزام الخصم، وإدراكا لأن يدرك به الحسن من القبيح والضار من النافع، وحجرا لأنه يحجر صاحبه عن الوقوع في المهالك، والحجر بمعنى المنع.