ذكرهم بشيء من عجائب قدرته وبدائع صنعه على طريق الاستفهام التقريري ليستدلوا به على ذلك فقال «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً» ٦ لتستقروا عليها أيها الناس وتنتفعوا بها «وَالْجِبالَ أَوْتاداً» ٧ لها ورواسي لئلا تميد بكم فتقلق راحتكم «وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً» ٨ ذكرا وأنثى لتأنسوا بينكم «وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً» ٩ لاستكمال راحتكم «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً» ١٠ لستركم عن الأنظار بظلمة إذا أردتم هربا أو استخفاء لما لا يجوز الاطلاع عليه حفظا لكرامتكم، وهذا من المجاز إذ شبه الليل بالغطاء بجامع الستر في كل
«وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» ١١ لتبتغوا فيه من فضل ربكم «وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً» ١٢ محكمات قويات لا تتأثر على مدى الدهور والأعوام لمنافعكم. وأعلم أن هذه الآية والآيات المبينة في الآية ١٧ من سورة المؤمنين المارة تدل دلالة صريحة لا تحتمل التأويل على أن السماء بناء، وأنها سبع واحدة فوق الأخرى، ألا فليتنبه الجاحدون «وَجَعَلْنا» في الرابعة من هذه السبع «سِراجاً وَهَّاجاً» ١٣ وقّادا إذ جعل جل شأنه في الشمس حرارة ونورا، والوهج جامع لهما لإنضاج أثماركم وزروعكم «وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ» الرياح التي تعصر السحاب فتمطره «ماءً ثَجَّاجاً» ١٤ درّارا بقوة صبّابا «لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا» لكم «وَنَباتاً» ١٥ لأنعامكم «وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً» ١٦ ملتفة بعضها على بعض لكثافة أشجارها لتتنزهوا فيها وتفكهوا بأثمارها فانظروا هل تنكرون شيئا من هذه وهل يقدر عليها أو على شيء منها ابتداء إلا الله، ومن يقدر على ابتدائه ألا يقدر على إعادته بعد إتلافه؟ بلى وهو على كل شيء قدير، والقادر على هذا ألا يقدر على إحياء الموتى؟ بلى، إذ بدأ خلقهم ابتداعا على غير مثال، فإحياؤهم على ما كانوا عليه أهون عليه وله المثل الأعلى، ولهذا قال تعالى مؤكدا لهم ذلك «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ» الذي تسألون عنه «كانَ مِيقاتاً» ١٧ لما وعدناكم به من إثابة المحسن وعقاب المسيء جزاء لكل عمل بما يناسبه، وسيكون هذا اليوم الذي يقع فيه الحساب والثواب والعقاب «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» النفخة الأخيرة «فَتَأْتُونَ أَفْواجاً» ١٨ زمرا وجماعات لا بالواحد والاثنين، ثائرين من مدافنكم ومحل وجودكم «وَفُتِحَتِ السَّماءُ»