معه غيره حالة كونكم «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» وقولوا بنهاية دعاءكم «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ٦٥» والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، ولما كلف بعض كفرة قريش مكة حضرة الرسول لعبادة أوثانهم، وكان هذا التكليف قد تكرر منهم عند كل مباحثة في أمر الدين أنزل الله تعالى قطعا لأطماعهم عن ذلك «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء الملحين عليك بما لا يكون منك «إِنِّي نُهِيتُ» نهيا باتا ومنعت منعا جازما من قبل ربي الحق الواحد «أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» من جميع الأوثان «لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي» ببطلانها وعدم نفعها «وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ» إسلاما محضا حقيقيا «لِرَبِّ الْعالَمِينَ ٦٦» وحده لا شريك له وأن أدعوكم لعبادته من حين تشريفي بالنبوة إلى وقت انقضاء أجلي لا أفتر ولا أحول عن هذا أبدا، وقد جاءت هذه الآيات الثلاث مختومة بلفظ رب العالمين جل جلاله، ولم يسبق مجيئها على هذا النمط ولا تعد مكررة، لأن مبدأ كل آية منها ومغزاه يغاير الأخرى، فالأولى للشكر على أفضاله، والثانية على توحيده، والثالثة على الاستسلام إليه، فتدبر أيها القارئ إذا أردت أن تظفر وتفوز بمعرفة كلام الله. واعلم أن المستحق للعبادة «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ» أي خلق أباكم آدم عليه السلام الذي هو أصلكم «مِنْ تُرابٍ» وخلق زوجته حواء منه من لحم وعظم ودم «ثُمَّ» خلقكم أنتم ذريته كلكم «مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً» جعل جل شأنه مراتب الإنسان بعد خروجه من رحم أمه ثلاثة.
[مطلب في مراتب الخلق على ثلاث وحالة المجادلين وأمر النبي بالصبر وشيئا من أفضاله على خلقه:]
وكذلك جعل المراتب في الرحم ثلاثة بعد تكوينه: الأولى علقة مكونة من النطفة المخلوقة من الماءين، والثانية مضغة مكونة من لحم ودم، والثالثة جنين مكون من لحم وعظام وأمعاء، فهو ما دام في بطن أمه يسمى جنينا وعند الولادة وليدا وما بعدها طفلا، وما دام في الرضاع صبيا ومن الفطام إلى تسع سنين غلاما ومن سبع إلى اثنتي عشرة سنة مميزا ومن اثنتي عشرة إلى خمس عشرة مراهقا، ومنها إلى