فضل في هذا وفي غيره «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ» ٦١ فضله ولا يراعون حقه فيمنع استمرار نعمه عليهم لعدم شكرهم إياها، وإذا لم يسلبها منهم يسلبها من أولادهم، وهذا مما لا يمتري فيه أحد، لأنه واقع مشاهد «ذلِكُمُ» الإله العظيم كاشف الكربات ومجيب الدعوات الفعال لما ذكر هو «اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ٦٢» بنسبة هذا لغيره وتنصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره وتختلقون له أندادا وهو لا مثل له وتفترون له شركاء وهو المنفرد في السموات والأرض وتكذبون بقولكم إن الله أمرنا بهذا وهو لم يأمركم به «كَذلِكَ» مثل هذا الإفك الواقع من قومك يا محمد «يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا» من قبلهم «بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ٦٣» ويكذبون الرسل الذين جاءوهم بها أيضا، قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً» تستقرون عليها في حلّكم وترحالكم «وَالسَّماءَ بِناءً» كالسقف المرفوع الذي تستظلون به من الشمس والمطر والرياح وغيرها ولكن شتان بين بنائكم وبنائه وظلالكم وظلاله.
وفي هذه الآية إشارة إلى كروبة الأرض، راجع الآية ٩ من سورة لقمان المارة وما تدلك عليه من المواقع «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» بأن ميزكم عن الحيوانات باعتدال القامة والأكل باليد والنطق واللباس والحسن والعلم «وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» غير رزق الحيوانات مما لذّ وطاب «ذلِكُمُ» الرب الجليل المدبر لذلك كله والمنعم بما هنالك هو «اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ٦٤» مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم وملكهم وحيواناتهم وطيورهم ووحوشهم وحيتانهم وحشراتهم وديدانهم وعوالم الله لا تحصى، وقد رتب الخلق جل جلاله على ثلاث مراتب: الطفولة وهي مرتبة النشوء والنماء، وبلوغ الأشد وهي مرتبة كمال التزايد إلى قبيل تطرق الضعف، والشيخوخة وهي مرتبة التراجع حتى بلوغ أرذل العمر، فالذي قسم هذا التقسيم «هُوَ الْحَيُّ» الباقي وما سواه هالك، وفيما تقدم أشار أولا لفضله المتعلق بالمكان بعد أن أشار فيما قبل إلى فضله المتعلق بالزمان، وهنا أشار إلى العلم التام والقدرة الكاملة والحياة الدائمة، ثم ختم بالدلالة على محض وحدانيته بقوله «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ» أيها الناس كلكم برّكم وفاجركم لا تشركوا