المسمى حتى الآن ببئر يوسف، فاستصوبوا رأيه مع أن فيه إشارة إلى عدم الفعل بدليل قوله (إِنْ كُنْتُمْ) إلخ، أي إذا كنتم مصرين على الإيقاع بيوسف فافعلوا فيه ما ذكرت لكم فهو أهون جرما عند الله، وفيه أمل، ثم ذهبوا إلى يوسف وصاروا يرغبونه بالذهاب معهم إلى البرية وحسنوا له النزهة في البادية، وأروه من اللطف والعطف ما حدا به أن يكلفهم بأن يقولوا لأبيهم ليأذن له بالذهاب معهم إلى المرعى، وأنه هو موافق ومحبذ ذلك، ويمنعه أدبه أن يتقدم لك بهذا، وكان ما كان وجاءوا إلى أبيهم
«قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ» أنطقهم الله تعالى بما يوقع الريبة في قلب أبيهم، حتى إذا وقع منهم ما يلام عليه يلوم نفسه، لأنهم لم يقولوا له مالك لا ترسل يوسف معنا، بل قالوا مالك لا تأمنا عليه ليذهب إلى المرعى يتسلى بين أزهار الأرض ويستنشق ريحها العذب مع رغبته بذلك، لأنه كلفنا أن نستأذنك بالسماح له «وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ ١١» فلا تخف عليه فإنا نشفق عليه ونريد له الخير، ولا غرو إنه عليه السلام أحس منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه من إيماء هذه الآية، ثم ألحّوا عليه بقبول رجائهم، فقالوا «أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ» معنا في البرية الواسعة ليتمتع بنضارتها وبهجتها، ومعنى الرتع الاتساع في الملاذ وأصله أكل البهائم في الخصب من الربيع، ثم أكدوا له رعايتهم إليه وعنايتهم به ومناظرتهم إليه بقولهم «وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ١٢» له من كل مكروه، وكيف لا تكون له كذلك وفيه رضاك ولم يزالوا به راجين ليأذن لهم بأخذه ليتسع صدره بالتفرج على الصيد والرمي والجري الذي يفعلونه بالبادية، وبعد أن أكدوا له مقالتهم بأصناف التأكيد، إذ أوردوا الجملة اسمية وحلوها بأن واللام وأسندوا حفظه إليهم جميعا «قالَ» يعقوب عليه السلام «إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ» أي مجرد ذهابكم به يؤلمني لشدة مفارقته علي وقلة صبري عن رؤيته، وقرىء ليحزني بالإدغام ثم قال وإنه ليريبني أن تهملوه وتتركوه وحده بانشغالكم عنه بالرعي والصيد «وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ» وقرىء بالياء كما قرىء يأكله بدون همز، ولم يأت لفظ الذئب بغير هذه السورة، قالوا إنما قال هذا لأنه رأى في منامه ذئبا شدّ عليه ولم يعلم أن قوله هذا الذي