هذا لأخويهما ورمي أباهما بالعقوق المستفاد من قولهم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وإلقائهم أخاهم في البئر قادح في نبوتهم، لأن العصمة بعد التشرف بالنبوة، ويجوز قبلها أن يقع من النبي مثل ذلك، وقدمنا ما يتعلق بعصمة الأنبياء في الآية ٢٣ من سورة الأعراف والآية ٢ من سورة طه في ج ١ وكذلك في الآية ١٥ من سورة القصص المارة فراجعها. ثم بين تعالى ما قرّ عليه رأيهم من الكيد ليوسف بقوله «اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً» بعيدة بدلالة التنكير أي أن التخلص منه بأحد أمرين: إما بقتله أو تغريبه في مكان بعيد، لأن التغريب يحصل به المقصود كالقتل وجرمه هين خفيف، وقيل في هذا:
حسنوا القول وقالوا غربة ... إنما الغربة للأحرار ذبح
وقال بعضهم لبعض إذا فعلتم أحد هذين الأمرين بيوسف «يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ» من يوسف وأخيه ويقبل عليكم بكليته لا يلتفت إلى غيركم، والمراد بالوجه الذات، قال تعالى (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) الآية ٣٥ من سورة الرحمن في ج ٣، ولفظ الوجه بهذا المعنى مكرر كثيرا في القرآن، لأن الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل بوجهه فلذلك خص الوجه «وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ» أي تنفيذ الأمر الذي تجمعون عليه من أحد الأمرين «قَوْماً صالِحِينَ ٩» بأن تتوبوا إلى ربكم من جرمكم فيعف عنكم «قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ» هو يهوذا على الأصح لأنه صاحب مشورتهم وأحسنهم رأيا، يدل عليه لفظ قائل المنوّن وإلا لقال أحدهم أو أكبرهم «لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ» لأن القتل جريمة عظيمة أخاف أن لا تغفر لكم، وإذا كنتم لا بد فاعلين يا اخوتي خذوه «وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ» قعره المظلم وأسفله العميق. والغيابة كل موضع ستر شيئا وغيبه عن النظر. والجب البئر الكبيرة غير المطوية، فإذا طرحتموه فيها حصل المقصود من تغريبه، إذ قد «يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ» الواردين على الجب فيأخذونه إلى بلادهم، هذا رأي لكم «إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ١٠» به ما ترومون افعلوا ما أشرت به عليكم، وهذا الجب معروف عندهم لذكره بال التعريفية، قيل هو بئر بيت المقدس، وقيل في الأزرق، والأحرى أن يكون البئر الموجود الآن قرب صفد في فلسطين