عز وجل بلا شك ولا شبهة وكون هذه الآية والآيتين قبلها ٢/ ٣ مدنيات مروي عن قتادة وابن عباس رضي الله عنهم ومثبت في الكتب التي ذكرناها بالمقدمة في بحث مأخذ هذا التفسير، لذلك لا يلتفت إلى قول من قال أنهن مكيات والبينة تقام على الإثبات لا على النفي، قال تعالى واذكر لقومك يا سيد الرسل تفاصيل هذه القصة التي كثر السؤال عنها «إِذْ قالُوا» أخوة يوسف إلى بعضهم والله «لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ» بنيامين «أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ» أقسموا قسمين على جهتين أصابوا في الأولى هذه وأخطأوا في الثانية، وهي «إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ٨» ظاهر في عمله هذا. والعصبة الجماعة جمع لا واحد له من لفظه كالرمط والنفر والفلك والنساء، والواو للحال أي كيف يكون هذا وهما اثنان ونحن جماعة ويفضلهما علينا ويحبهما أكثر منا مع أنه لا فائدة له منهما لصغرهما، فكيف إذا كبرا ورأى منهما ما يرى منا الآن من المنافع والخدمة ونحن القائمون بمصالحه، ونحن أحق بمودته منهما. واعلم أن سبب هذه المودة والمحبة لهما لصغرهما ووفات أمهما أو لأمر تفرسه فيهما، وهذا أقرب لأنه لو كان الحب بسبب الصغر لأحب بنيامين أكثر من يوسف، ولكنه عليه السلام رأى فيه من مخايل الخير ما لم يره فيهم، وزاد ذلك ما فهم من مغزى الرؤيا وليس هو بالصغير ليقال لصغره، والصغير محبوب عند كل أحد، قيل لابنة الحسن أي بنيك أحب إليك؟ قالت الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يحضر، والمريض حتى يشفى.
وقيل في هذا المعنى:
إن البنان الخمس أكفاء معا ... والحلي دون جميعها للخنصر
وإذا الفتي فقد الشباب سماله ... حب البنين ولا كحب الأصغر
وهذان البيتان وقبلهما بيتان للوزير أبي مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري.
هذا وأنه عليه السلام لم يفضله إلا بالمحبة القلبية، وهي خارجة عن وسع البشر لأنها أمر باطني، وليس في طوقه دفعها، يؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم اللهم هذا قسمي فيما أملك ولا قدرة لي على ما لم أملك. وذلك لأنه من مقتضيات حس الأرواح التي هي من أمر الله وقد وقع منهم هذا قبل النبوة على القول المعتمد فلا يعد حسدهم