بخلق السموات والأرض إلى اتحاد الذات، وبتسخير الشمس والقمر إلى اتحاد الصفات، ولما كان كمال الخلق ببقائه وبقاؤه بالرزق، والله تعالى هو المتفضل به. قال «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» فيوسعه عليهم إحسانا منه وكرما عليهم ولطفا بهم، وهو ذو الطول والامتنان والعطف «وَيَقْدِرُ لَهُ» يضيق على من يشاء بمقتضى حكمته وسابق تقديره، ولما كان هذا موجبا لاعتراض بعض الجهلة بين العلة لهم بقوله «إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ٦٢ فيوسع لمن يعلم أن صالحه بالرزق، ولو لم يرزقه لكفر، ويضيق على من يعلم أن صالحه في الضيق، ولو أغناه لبغى، وان يفعل كلّا لكل بوقته حسب حكمته، فقد جاء بالحديث القدسي: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، راجع الآية ٢٥ من سورة لقمان والآية ٢٧ من سورة الشورى المارتين، والأخرى ان الله تعالى لا يسأل مما يفعل. قال تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» فعل ذلك كله «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» يا خاتم الرسل على إظهار الحجة عليهم باعترافهم. ثم نعى عليهم جهلهم بقوله «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» ٦٣ ما يقولون ولا يفهمون ما يفعلون ولا يفقهون ما يريدون، وفي هذه الآية دلالة على بطلان الشرك وإثبات التوحيد، وفي الإضراب ببل إيذان بالإعراض عن جهلهم الخاص بالإتيان بما هو حجة عليهم باعترافهم، لأنهم مسلوبو العقل، فلا يبعد عنهم مثله.
[مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:]
قال تعالى «وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ» اللهو الاستماع الذات والاشتغال بما لا يعني، واللعب العبث، أي أنها عبارة عن لعب ساعة بين الأولاد، ثم ينصرفون عنها لدورهم، وهكذا الدنيا يلهون بها أهلها مدة ويتركونها بالموت، والآية تشير إلى تصغيرها والازدراء بها، لأنها عبارة عن قضاء نهمتهم فيها مدة قصيرة وهي بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، والآية جاءت كضرب المثل في سرعة زوالها، وتقلّبهم فيها وفراقهم لها. أخرج الترمذي عن سهل بن سعد