للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الغير «إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» يعود إثمه ووباله، قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) الآية ٤٥ من سورة الجاثية ونظيرتيها الآية ٥٦ من سورة الشورى الآتيتين، واعلموا أنكم تتمتعون يبغيكم هذا «مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا» مدة حياتكم فيها وهي قليلة «ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ» في الآخرة الدائمة «فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٣» بأن نخبركم في الآخرة عن أعمالكم في الدنيا ونجازيكم عليها الخير بأخير منه وانشر بمثله.

[مطلب البغي ومتى يكون مذموما ومتى يكون ممدوحا وحكمه:]

ولما كان البغي قد يكون بحق مثل هدم دور الكفرة والمعاندين وقطع أشجارهم وحرق زروعهم عند ما يستولي المسلمون عليها عنوة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يهود بني قريظة الآتية قصتهم في الآية ٢٦ من سورة الأحزاب، والآية ٥ من سورة الحشر، ويكون بغير حق كأخذ مال الغير ظلما ومجاوزة حدود الله تعالى عتوا، قيّد تبارك وتعالى البغي في هذه الآية بغير الحق لأنه مذموم، وقد يكون البغي ممدوحا وهو مجاوزة العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع، والقصاص إلى العفو، والحق إلى السماح، لأن معناه اللغوي مجاوزة الحد مطلقا، وقد تكون هذه المجاوزة في الخير كما ذكرنا فيكون ممدوحا، وقد يكون في الباطل فيكون مذموما، وهو بمعناه هذا من أعظم منكرات الذنوب، لأن معناه الاصطلاحي الإفساد والتجاوز على أموال الناس وأنفسهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما، وقد نظم بعضهم معنى هذه الجملة في بيتين من الشعر وكان الخليفة المأمون العباسي رحمه الله يتمثل بهما وهما:

يا صاحب البغي إن البغي مصرعه ... فارجع فخير مقال المرء أعدله

فلو بغى جبل يوما على جبل ... لا ندك منه أعاليه وأسفله

وقال أيضا:

لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل

ونظمها أيضا الشهاب فقال:

إن يعد ذو بغي عليك فخله ... وارقب زمانا لانتقام باغي

<<  <  ج: ص:  >  >>