للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحذر من البغي الوخيم فلو بغى ... جبل على جبل لدك الباغي

وأقبح أنواع البغي في الحكام قال بهرام وهو لا يعرف الإسلام: أسد حطوم خير من ملك غشوم، وملك غشوم خير من فتنة تدوم، فكيف بمن هو مسلم مؤمن؟ وإن العقلاء حذّروا من غلطة السلطان العادل فكيف بغيره؟ قال الإسكندر:

على العاقل أن يكون مع السلطان كراكب سفينة، إن سلم جسمه من الفرق لم يسلم قلبه من الخوف. أخرج أبو نعيم والخطيب والديلمي عن أنس قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث هنّ على أهلها المكر والنكث والبغي، ثم تلا عليه الصلاة والسلام هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّاسُ) إلخ، وتلا (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) الآية ٤٣ من سورة فاطر المارة في ج ١، وتلا (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) الآية ١٠ من سورة الفتح في ج ٣. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة من البغي وقطيعة الرحم. وأخرج أيضا من طريق بلال بن بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبغي على الناس إلّا ولد بغي أو فيه عرق منه.

هذا، وقرىء متاع بالرفع على أنه كلام مبتدأ أي بغي بعضكم على بعض باطلا هو متاع الحياة الدنيا، ولا يصلح لزاد الآخرة. وقراءة الفتح التي جرينا عليها تبعا لما في المصاحف أولى، لأن الكلام متصل بما قبله، ولأن المعنى يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم لا يتهيا إلا أياما قليلة، فأقلعوا عنه خير لكم، قال تعالى «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا» في زوالها وفنائها وقصر مدة التمتع فيها، والمثل ما شبه مضربه بمورده أي يؤتى بما وقع على ما لم يقع ويستعار للأمر العجيب المستغرب أي إنما حالها في سرعة تقضّيها وانصرام نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ» بذلك الماء «نَباتُ الْأَرْضِ» اشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا لأن الماء كالغذاء للنبات فيجري فيه مجرى الدم من ابن آم «مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ» كالبقول والزروع والحشيش والمراعي «حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها» حسنها ونضارتها وبهجتها باختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>