ذكرنا في الآية ٢٥ من سورة الأحزاب والآية ١٧٢ من آل عمران المارتين قال تعالى «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى» فيخالفه ويعاديه ويروغ عنه لئلا يجري عليه الحد، وذلك إن طعيمة إنما هرب خوفا من قطع يده فأماته الله شرّ ميتة كما مر آنفا «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» بإظهار الارتداد والشقاق وترك طريق المؤمنين ولم يسلم نفسه ويخضع للحد الشرعي ويطهر نفسه مما اقترفه «نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى» من طريق الضلال في هذه الدنيا «وَنُصْلِهِ» في الآخرة «جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً»(١١٥) بسبب ارتداده عن الإسلام وعدم انقياده لأحكامه.
[مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:]
يستدل من هذه الآية على أن إجماع المؤمنين حجة لا يجوز مخالفتها، لأن من لا يتبع سبيل المؤمنين فقد فارق الجماعة وصار هدفا لما هدد الله به في هذه الآية «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» ونظيرتها في الآية ٤٨ المارة وكررت بمناسبة قصة طعيمة المذكور لسابق علم الله بأنه يموت كافرا، والمغفرة في هذه الآية ونظيرتها عامة لا يخرجها عن عمومها قيد المشيئة ولا يصرفه إلى التائب فقط، إذ يجوز أن يغفر لغير التائب أيضا لأنه لا يسأل عما يفعل كما بيناه هناك، فهي على حد قوله تعالى (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) الآية ١٩ من سورة الشورى ج ٢ وقوله تعالى (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) الآية ١٧ من المائدة (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) الآية ٤٠ من المائدة (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) الآية ١٩ من المائدة الآتية، وهي مكررة ست مرات في القرآن، والآية ٤٠ من آل عمران وهي مكررة أيضا بزيادة لفظ الجلالة والكل مزروق برزقه ومخلوق بخلقه ومفعول بفعله. قال علي كرم الله وجهه ما في القرآن آية أحب إلي من هذه «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً»(١١٦) إذا مات على شركه والضلال البعيد يقابله عذاب غليظ. قال ابن عباس: جاء شيخ من الأعراب فقال يا نبي الله إني منهمك بالذنوب غير أني لم أشرك بالله منذ عرفته، وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أواقع المعاصي جرأة على الله، وما توهمت طرفة عين