[مطلب إبليس من الجن لا من الملائكة وانواع ذريته وما جاء فيهم من الأخبار:]
قال تعالى «وَ» اذكر يا محمد لقومك بعد قصة أهل الكهف وأصحاب الجنة وحال البعث ومنكريه «إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ» وهذا السجود للتحية والتكريم لا للعبادة، لأن سجودها خاص بالمعبود العظيم وحده، وكان اسمه عليه اللعنة بالسريانية عزازيل، وبالعربية الحارث، فلمّا عصى سمي إبليس لأنه أبلس وأيس من رحمة الله وغيرت صورته إلى السمرة والزرقة بعد البياض والصفرة والحمرة. وهذا الخبيث الذي لم يتمثل أمر ربه «كانَ مِنَ الْجِنِّ» وهذا كلام مستأنف كأنه قيل لم لم يسجد مع الملائكة، فقيل لأن أصله من الجن لا من الملائكة إذ لو كان منهم لما تخلف عن أمر ربه لأنهم لا يعصون الله فيما يأمرهم طرفة عين ولا يغفلون عن ذكره، فثبت أنه من الجن بنص هذه الآية التي لا تقبل التأويل. واعلم أن قبيلة إبليس انقرضت ولم يبق منها غيره فهو أصل الجن والشياطين، كما أن آدم أصل البشر، أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: قاتل الله أقواما زعموا أن إبليس من الملائكة والله تعالى يقول كان من الجن. وأخرج عنه ابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة أنه قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين وانه الأصل الجن كما أن آدم أصل البشر فهو في الجن كنوح عليه السلام في الإنس من غير تشبيه، لأن نوحا أبو البشر الثاني بسبب إهلاك من قبله من ذرية آدم، وإبليس أبو الجن الثاني بسبب انقراض الجن قبله من ذرية أبيهم الجان. ومن هذا يعلم أن ما قيل إنه من الملائكة لا يستند إلى دليل صحيح، وهو قيل مخالف لصراحة القرآن، وإن من قال أنه منهم عده من أقربهم إلى الله، وهذا يقدح في عصمة الملائكة الذين لا خلاف في عصمتهم، راجع الآية ١٥٨ من الصافات المارة وما ترشدك إليه فقيه ما تريده، ولهذا فإن الاستثناء في هذه الآية منقطع على حد قوله تعالى (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) الآية ٥٨ من الزخرف المارة على العكس في المعنى أي في المستثنى والمستثنى منه، ومثله في قوله تعالى (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) الآية ٦٣ من سورة مريم في ج ١، لأن المستثنى فيها ليس