للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسد من عمى العين لأن فاقد البصر ينتفع ببصيرته، وعادم البصيرة لا يفيده بصره «أُولئِكَ» الموصوفون بالمثالب الأربع المذكورة هم «الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى» واستبدلوا الكفر بالإيمان والحيرة بالرشد والغش بالنصح «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ» بل خسرت وخابت صفقتهم خسرانا وخيبة عظيمتين، فضلوا «وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ١٦» في أقوالهم وأفعالهم، لأنهم أضاعوا رأس ما لهم وهو الإيمان، ومن أضاع رأس ماله فهو للربح أضيع. ولا يقال إنهم لم يكونوا على هدى لأنهم كانوا متمكنين منه، كأنه في أيديهم، لكنهم رغبوا عنه وتركوه باختيارهم، ومالوا إلى الضلال رغبة فيه، وفعلوه طوعا، ومالوا إليه، فكأنهم عطلوه قصدا واستبدلوا به ضدّه، ولهذا وصفهم الله تعالى بقوله «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» لينتفع بها «فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ» جمع الضمير مع أن ما قبله مفرد على حد قوله تعالى (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) الآية ٦٩ من سورة التوبة الآتية، إذ يجوز وضع الذي موضع الذين «وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ» متكاثفة ظلمة الليل وظلمة المطر وظلمة السحاب، لأن من كان في نور وتركه أو أو كان في محل مضيء وخرج منه إلى مظلم اشتدت الظلمة في عينيه أكثر مما لو لم يكن قبل في النور، ولهذا قال تعالى «لا يُبْصِرُونَ ١٧» شيئا لما يجلهونه من الظلمة بعد ذلك النور، فيصيرون لا يرون.

[مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:]

والمثل تشبيه الشيء الخفي بالشيء الجلي لمناسبة وجامع، ليتأكد الوقوف على ماهية ذلك المشبه نهاية في الإيضاح، وشرطه أن يكون فيه غرابة من بعض الوجوه وقد ضرب الله تعالى هذا المثل بالنار لثلاث حكم: الأولى أن المستضيء بالنار مستضيء بنور غيره، فإذا ذهب بقي هو في الظلمة، وكذلك هؤلاء لأنهم لما أقروا بالإيمان من غير اعتقاد في قلوبهم كان إيمانهم مستعار فلم ينتفعوا به، لأن العارية مستردة. الثانية احتياج النار دائما إلى مادة الوقود، فإذا انقطع طفئت، وكذلك الإيمان محتاج أبدا إلى مادة الاعتقاد والعمل ليدوم، وإلا فينقطع ولم تبق فائدة فيه الثالثة احداث الظلمة بعد النور أشد من الظلمة التي لم يسبقها نور، ووجه

<<  <  ج: ص:  >  >>