تشبيه الإيمان بالنور أنه أبلغ شيء بالهداية إلى المحجّة القصوى والطريق المستقيم وإزالة الحيرة، وكذلك الإيمان فهو الطريق الواضح إلى الله، ووجه تشبيه الكفر بالظلمة لأن الضال عن الطريق فيها لا يزداد إلا حيرة إذ لا يرى كوكبا يستهدي به، ولا جبلا يستقبله، ولا علامة يركن إليها، وكذلك الكفر لا يزداد صاحبه بالآخرة إلا حيرة إذ لا دين يعتمد عليه، ولا عمل صالح يرجو ثوابه، ولا شافع يأمل شفاعته، فيزداد ندمه كما تزداد الظلمات بمجيئها بعد النور. وهؤلاء المضروب بهم هذا المثل «صُمٌّ» عن سماع الحق «بُكْمٌ» عن النطق به «عُمْيٌ» عن رؤيته، قد تقطعت قلوبهم وذهب إدراكها لأنهم لما كانوا في الدنيا يصدق عليهم قول القائل:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء كلهم أذن
وهؤلاء كذلك كتّامون للخير، مذيعون للشر، سماعون للإثم، نطاقون به، بصيرون فيه «فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ١٨» عن نفاقهم واخلاقهم وكفرهم، لأن الشيطان زيّنه لهم، وان رؤساءهم حبّذوه إليهم ورغبوهم فيه. واعلم أنه لا يوجد في القرآن غير ست آيات مبدوءة بحرف الصّاد، هذه والآية ١٢٤ الآتية والسادسة من الفاتحة والأولى من ص و ١٩ من الأعلى ج ١ و ١٥٢ من الشورى ج ٢.
ثم مثل لهما مثلا آخر أبلغ من الأول، فقال عز قوله «أَوْ كَصَيِّبٍ» هو كل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل، والمراد به هنا المطر، أي أو مثلهم مثل مطر نازل «مِنَ السَّماءِ» وهذا لا ينافي القول بأن المطر ينعقد من أبخرة الأرض والمياه، لأن كل ما علاك فأظلك فهو سماء «فِيهِ ظُلُماتٌ» تقدم معناها في الآية ١٧، «وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ» الذي يسمع من اصطدام السحاب، فهو الرعد والبرق هو الشعلة النارية التي تخرج منه بسبب الاصطدام أو أمر آخر يحدثه الله تعالى عند تراكم الغيوم واصطكاكها بعضها ببعض «يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ» أي أطرافها من إطلاق الكل وإرادة الجزء «فِي آذانِهِمْ» خوفا وفزعا «مِنَ» سماع «الصَّواعِقِ» اسم لكل هائل مسموع أو مشاهد، وعلى الأكثر أنها هنا قصفة رعد عبارة عن قطعة نارية، وقد ينقض معها قطعة حديد نارية لا تصيب شيئا إلا أهلكته لشدة