من مخاطبتهم باللين واللطف وعدم تغليظ القول، وضرب الأمثال بهم ليقبل ويؤخذ به، وإلا عاد عليه نصحه شرا، وعلى غيره خسرا، وكسب عداوتهم من مودتهم.
[طلب الفرق بين نور الإيمان وظلمة الكفر في خطاب ابراهيم وجواب أبيه:]
كأن قائلا يقول ماذا قال آزر لابنه عند سماعه هذه النصائح الواجبة القبول؟
أصر على عناده، وقابل ذلك الاستعطاف واللطف بالفظاظة والغلظة بقوله له أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ» استفهام انكار على نوع من التعجب، أنف عن عبادتها وسماه باسمه احتقارا ولم يقابله بالمثل، فيقول يا ولدي حنانا بل هدده بقوله مقسما بآلهته «لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ» عما صدر منك «لَأَرْجُمَنَّكَ» بالحجارة حتى تموت وأقول لك من الآن اذهب عني «وَاهْجُرْنِي» لا تأت إلي ولا أراك واتركني على ما أنا عليه ولا تدعني إلى ما ذكرت هجرا «مَلِيًّا» ٤٦ طويلا أبدا، مأخوذ من الإملاء أي الإمداد، وكذا الملاءة بتثليث الميم ومن هذا الملوان الليل والنهار، يريد عدم تكليمه له مادام حيا، ونصب الظرفية كما في قول المهلهل:
فتصدعت صم الجبال لموته ... وبكت عليه المرملات مليا
فانظر يا رعاك الله إلى الكلام الصادر عن نور المعرفة، وإلى الكلام الناشئ عن الكفر، وتفكر في رقة الإيمان كيف تخاطب غلظة الكفر، وقساوة الشرك كيف تقابل لين الإيمان، وأنعم نظرك في جواب العارف بعد تهديده من ذلك وقد طرده طردا أبديا مع تهديده بالقتل «قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ» يا أبت هنا تعلم (الدّن ينضح بما فيه) وقول عيسى عليه السلام (كل ينفق ما عنده) السلام هنا والمباركة كالذي أشرنا إليه في تفسير الآية ٦٣ من سورة الفرقان، وبعد هذا كله لم يقطع أمله من إيمانه بسائق الرأفة عليه من عذاب الله امّا لحق التربية وجزاء لواجب الأبوّة فقال عليه السلام «سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي»