قط «نَبِيًّا» ٤١ مرسلا بدليل قوله بعد (قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) الآية الآتية، ثم بين قصته مع أبيه فقال «إِذْ قالَ لِأَبِيهِ»
آزر وكان من عبدة الأوثان «يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ»
نداءك إذا استغثت به «وَلا يُبْصِرُ»
شخصك حين تعبده فلا يقدر خضوعك إليه وخشوعك منه «وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً»
من الأشياء البتة «يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ» والمعرفة بالله المستحق للعبادة الذي يجيب دعاء المضطرين ويرى خضوع الخاشعين، يثيب الطائع ويعذّب العاصي. واعلم يا أبت أن الله ربي وربك ورب الخلق أجمع أعطاني شيئا عظيما «ما لَمْ يَأْتِكَ» ولا غيرك شيء منه «فَاتَّبِعْنِي» واترك ما أنت عليه من عبادة الأوثان «أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا» ٤٣ عدلا مستقيما يوصلك إلى النجاة ويخلّصك من الضلال المؤدي بك إلى مهاوي العطب «يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ» وتطيعه فيما يزين لك من زخارف الدنيا ويوسوس في قلبك الانقياد لعبادته ويحبذ لك ما أنت عليه «إِنَّ الشَّيْطانَ» الذي ديدنه الخبث «كانَ» ولم يزل من حين امتناعه من السجود لأبينا آدم صار «لِلرَّحْمنِ» الواجب طاعته على خلقه «عَصِيًّا ٤٤» ومن يعصه أحق أن يعصى ويلعن لا أن يطاع ويعبد، لأن طاعة العاصي عصيان والعاصي جدير بأن تسلب منه نعم ربه انتقاما منه «يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ» إن بقيت مصرّا على عصيانك إياه وعبادة غيره «فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا» ٤٥ يلي أمرك ويتسلط عليك، ومن ولي أمره الشيطان تبرأ الله منه، ومن يتبرأ الله منه فمأواه جهنم. هذا وقد تأدب عليه السلام مع أبيه غاية الأدب وسلك بخطابه طريق الاحترام، واستعمل بدعوته ونصحه نهاية التعظيم، وجامله مجاملة ما عليها من مزيد، حتى إنه لم يسمه باسمه ولم يسمه بالجهل، مع ما هو عليه من الكفر، ولم يصف نفسه بالعلم مع ما هو عليه من النبوة، هضما لنفسه وإكراما لأبيه، واكتفى ببيان أن عنده من العلم ما ليس عند أبيه شيء منه، لشدة تعلق قلبه بصلاح أبيه أداء لحق الأبوة ورفقا به خوفا عليه من الله، وهذا نهاية ما يطلب من المرشد الحريص على هداية الناس المقدر