هنا للقريب خاصة، لأن الكلام مسوق للتعجب، وكلام الكبير الذي كان في المهد قبل سنين لا يتعجب منه، فهو إيراد تافه، كما أن القول بأن كان زائدة واه إذ لا زائد في القرآن، وهي هنا تامة. ولما سمع كلامهم مع أمه التفت إليهم عليه السلام وقطع رضاعه وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته على ما قالوا فقال لهم «قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ» الإنجيل لأنذركم به «وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» ٣٠ حال صباي وإن معجزتي كلامي معكم وأنا طفل.
قال الحسن كان في المهد صبيا وكلامه معجزة له. وقال أكثر المفسرين إنه أتي الإنجيل وهو صغير، وكان يعقل عقل الكمل وعبر بالماضي عن المستقبل، إما باعتبار ما سبق في أزله تعالى أو باعتبار المحقق وقوعه كالواقع. وقيل معناه سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا، وهو إخبار عما كتب له في اللوح. كما قبل لحضرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا قال: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أنس أن عيسى عليه السلام درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه. وروي عن الحسن أنه ألهم التوراة وهو في بطن أمه، وهما كما ترى. وبعد أن أخبر الله بأنه أعطاه الكتاب فلا حاجة للجنوح إلى ما جاء في الحديثين بل علينا أن نعتقد أنه كما ولد بأمر الله من غير أب وأنطقه وهو طفل أعطاه الكتاب وعلمه إياه بإلهام منه وهو طفل أيضا. ومن عرف الله بأنه الفعال لما يريد القادر على كل شيء لا يحتاج إلى التأويل والتفسير، وعلى العاقل أن يصدق بكل ما جاء من عنده، وهذا طريق السلام،
قال عليه السلام «وَجَعَلَنِي مُبارَكاً» نفاعا قاضيا للحوائج آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، أبرىء الأكمه والأبرص وأشفي المرضى بإذن الله وهذا هو المبارك ولا أعظم بركة من هذه البركة التي شرفه الله بها، فالإله الذي يعطيه ذلك ويعطيه إحياء الموتى أيضا وخلق الطير أفلا يعطيه الإنجيل ويحفظه إياه؟
بلى وهو على كل شيء قدير «أَيْنَ ما كُنْتُ» ليس في أرضكم وبلدكم هذه فقط بل في كل مكان حللت فيه وزمان وجدت فيه أكون هكذا معلما للخير مباركا نفاعا «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا» ٣١ في الدنيا لأن الآخرة