إليهم بعد الولادة بأربعين يوما لا من غيابها لأنها تركت قريتها الناصرة بعد أن ظهر حملها وذهبت إلى بيت لحم خوفا من كلام السفهاء إلى محل لا يرونها لبعده إذ ذاك، لأنه لا يوجد وسيلة للنقل وركوب الإبل وغيرها من الحيوان، وبقيت هناك حتى ولدت وانقضت مدة نفاسها على أصح الأقوال المعول عليها «قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» ٢٧ منكرا عظيما وأمرا بديعا تحتجين به، مع ما أنت عليه من الصلاح وكريم المحتد «يا أُخْتَ هارُونَ» يا شبيهته في العفة والتقوى والورع والصلاح وطيب العنصر، لا في النسب لأنها من نسل داود واسمها مريم واسم أبيها عمران، وهرون أخو موسى اسم أخته مريم أيضا، وأبوه عمران وهو من بيت الصلاح، فمن هنا جاءت النسبة، والعرب تقول أخو تميم وأخو تغلب لرجل منهم، روى مسلم عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت خراسان سألوني فقالوا لي إنكم تقرءون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم، ولذلك شبهوها به. وما قيل إن هرون آخر كان في بني إسرائيل فاسقا فشبهوها به قول باطل ينافيه سياق الكلام ومبناه لا مستند له ولا مناسبة، ومن تتمة خطابهم لها ما ذكره الله عز ذكره «ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ» شقيا ولا زانيا «وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» ٢٨ بل كانا عفيفين طاهرين منزهين، وكان اسم أمها حنّة، مشهورة بالطهارة ومن بيت العفة، والأجدر أن يتبع الفرع أصله، فلماذا جئت على خلاف ضئضئك ومن أين أتاك هذا الولد؟ وهنا انتهى كلامهم لها فكان جوابها لهم ما ذكره الله عز ذكره «فَأَشارَتْ إِلَيْهِ» بأن كلموه هو وأشارت إلى عيسى ليكلمهم فظنوا أنها تهزأ بهم وتسخر عليهم فغضبوا وخاطبوها بعنف «قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» ٢٩ ولم تجر العادة أن يكلم مثله أو يتكلم، ولا يرد على هذا أن كل إنسان كان في المهد صبيا ثم كبر وتكلم، لأنه كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح للقريب والبعيد، وهو