ألم تر أن الله أوحى لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أحنى الجذع من غير هزّه ... إليها ولكن كل شيء له سبب
«فَكُلِي» من هذا الثمر «وَاشْرَبِي» من الماء الموجود هناك وهذا ما حدا ببعض المفسرين على تفسير السريّ بالنهر كما أشرنا إليه آنفا «وَقَرِّي عَيْناً» طيبي نفسا، والعرب تكنى بقرة العين أي بردها عند السرور والفرح وسخنها عند الغم والحزن، راجع تفسير الآية ٧٤ من سورة الفرقان المارة تجد هذا مفصلا بما يكفيك عن مراجعة غيره، هذا وعلى ما جرينا عليه يكون المعنى إجمالا:
لا تحزنى وافرحي بولدك لأنك جئت بما يرضيك، واتركي الحزن فإن الله قد أظهر لك ما يبرىء ساحنك مما كنت تتوهمينه قالا وحالا. يؤيد هذا ما روي عن ابن زيد قال قال عيسى عليه السلام لها لا تحزني، فقالت كيف لا أحزن وأنت معي ولست ذات زوج ولا مملوكة، فأي شيء عذري عند الناس؟ ليتني متّ قبل هذا، فقال لها عليه السلام أنا أكفيك الكلام، قال تعالى (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) عند ذهابك لأهلك وقريتك وأراد أحدا أن يتكلم معك في هذا الشأن «فَقُولِي» لهم «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» عن الكلام لدلالة المقام عليه، وكان صوم الصمت عن الكلام عندهم معروفا ومن جملة العبادات لدى الإسرائيليين، وهو حتى الآن كذلك، وإنما أمرها بالصمت ليتكلم هو عنها ولئلا تجادل السفهاء بنفسها لأنها مهما قالت لهم لا يصدقوها، لأنه أمر لم يقع وهو فوق العقل، فكان سكوتها واجبا لحفظ كرامتها. ثم فسر الصوم بقوله قولي «فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» ٢٦ وإنما أناجي ربي وأكلم الملك وابني هذا، أي قولي لهم هذا الكلام واسكتي. فطاب خاطرها وعلمت حجة قول ابنها، لأن تكليمه إياها فوق العقل أيضا، وإذ حصل لها اطمئنان بما سمعت من ابنها، عنّ لها أن ترجع إلى قريتها قال تعالى «فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ» إلى بلدتها النّاصرة، فلما رأوها حزنوا لما يعلمون من صلاحها وطهارتها وأصلها، لأنها من قوم صالحين، وكان رجوعها إليهم حال كونها حاملة ولدها، قالوا وكان رجوعها