بإرادة الله تعالى، فمن قال هذا قبل قوله كقولهم إن الثمار تنضج بتأثير الشمس، وألوانها تكون بتأثير القمر، وأطعمتها تكون بتأثير النجوم. أما من نسب ذلك لها بقوة جعلها الله فيها وإرادته لذلك فلا بأس بقوله، لأن الله تعالى يضع ما يريده من قوى فيما يريده من مخلوقاته الجامدة والحساسة، كما يضع قوة الذبح في الموسى عند إرادة الذبح، وكما يخلق قوة الشبع والرّي عند الأكل والشرب، يفعل ما يشاء ويختار. ومن أسند هذه القوى لنفس النجوم فقوله مردود عليه ويخاف عليه من سلب الإيمان والعياذ بالله، وقد صرفنا النظر عن الأقوال الواردة في سن مريم ومدة حملها، إذ لا طائل تحتها، وأحسنها القول بأن سنها كان خمس عشرة سنه، ومدة الحمل تسعة أشهر، لأن القول بأن حملها وولادتها في ساعة واحدة يأباه نظم القرآن، إذ لو كان كذلك لما ذهبت من الناصرة إلى بيت لحم، بل وضعته حالا في مكانها، وهذا كاف لردّ هذا القول. وأما زمن الولادة فهو وقت الزوال على ما جاء في أحسن الأقوال، وما قيل إنه في منتصف الليل لم يثبت ولعلها أحست بالطلق في منتصف الليل وولدته وقت الزوال. ثم قال لها عيسى عليه السلام «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا» ٢٥ ناضجا حان قطافه، وهذه معجزة لسيدنا عيسى عليه السلام إرهاصا لنبوته أو كرامة لأمه
لا معجزة لفقد شرطيها وهو النبوة والتحدي، ووجه كونها كرامة أو إرهاصا لسيدنا عيسى أو كرامة لأمّه عليها السلام لأنها كانت يابسة والولادة كانت في موسم الشتاء (٢٥ كانون الأول سنة ٤٠٠٤) من ولادة آدم كما قيل، والشتاء ليس بموسم لقطف الثمر، وفيها إشارة إلى ما يؤول إليه حاله بأنه عليه السلام (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) كما وصفت النخلة لأنه ولد في الأرض ورفع إلى السماء وأنه سيحيي الموتى بإذن الله كما أحييت النخلة الميتة، وفي الأمر بالهزّ دليل على وجوب السعي لتحصيل الرزق وإلا فالذي أحيا النخلة قادر على إسقاط ثمرها دون هزّ، وما أحسن ما قيل في هذا: