[مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:]
واعلم أن كلمة رسول الله هي من كلام الله تعالى لا من كلامهم لأنهم لا يعتقدون رسالة وقد صدقهم النصارى على فعل القتل فأكذبهم الله بقوله «وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» بالمنافق يهودا الأسخريوطي الذي دلهم عليه لقاء ثلاثين درهما، وكان عليه السلام أخبر أصحابه بذلك بحضوره كما مر في الآية ١٥٤ من آل عمران المارة وما كان الله ليسلط هؤلاء الأنذال على صفيه عيسى «وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ» وهم اليهود الذين قبضوا على شبيهه وصلبوه «لَفِي شَكٍّ مِنْهُ» بأنه عيسى لأنه كان عند القبض عليه يصيح ويقول أنا لست المعلم يعني عيسى لأنهم كانوا يسمونه معلما، وعند الصلب كان يتضجر ويتويل ويقول أنا الذي دللتكم عليه، وكانوا يعهدون في عيسى الحزم والعزم وعدم التذلل، ولأنه حينما وضعوه على المصلبة صار يصيح (إلي إلي لم شبقنى) أي إلهي إلهي لم شنقتني؟
كما هو ثابت بالأناجيل الأربعة التي بيد النصارى الآن راجع الاصحاح ٤٧ من إنجيل متى و ١٥ من إنجيل مرقس، وجاء في بعضها بلفظ الى الى، وبعضها بلفظ إلهي إلهي، بما أوقع الشك في قلوبهم إنه ليس بعيسى لأنهم تحققوا فيه العزم والعزة والصّبر والشهامة، ولا يزال بصيح وهم يلكمونه ويبصقون عليه حتى قضى نحبه جزاء خيانته لعنه الله، وإنما شكوا فيه لأنهم يقولون لو كان عيسى لما تصور منه وقوع هذا الضجر كيف وهو من أولي العزم الذين يسلمون لأمر الله تسليما مطلقا ومما يؤيد عدم صدور ذلك منه قول النصارى بأنه أسلم نفسه ليكفر خطايا أمته ومن يسلم نفسه لذلك القصد باختياره لا يقع منه مثل هذا الكلام «ما لَهُمْ بِهِ» هؤلاء المختلفون بعيسى «مِنْ عِلْمٍ» حقيقي إن هو «إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ» لأن الصورة صورته عنا لا خلاف فيها والكلام غير كلامه، لأنه كثيرا ما جادلوه وهددوه فلم يروا منه إلا صلابة في المدافعة، ولم يأنسوا منه هذا الانخذال والانكسار والتذلل، ولهذا فانهم حينما قتلوه ما كانوا معتقدين أنه هو، ولهذا قال تعالى «وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً»(١٥٧) لما رابهم من تخضعه بالكلام وتمسكنه لهم