الاستهزاء والسخرية كقولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآية ٣٠ من سورة سبأ أيضا، وهي مكررة كثيرا في القرآن، وذلك لعدم تصديقهم أن هناك بعثا وحسابا وجزاء، ولهذا يقولون (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) الآية ٣٢ من سورة الأنفال ج ٣، وقد تكرر منهم هذا القول، كما تكررت هذه الآية معنى في كثير من سور القرآن. قال تعالى «وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى» ضربناه لعذابهم غير قابل التقديم والتأخير، وعزّتي وجلالي يا سيد الرسل لَجاءَهُمُ الْعَذابُ» الذي يريدون سرعة نزوله قبل أن يتشدقوا بما تفوهوا به «وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» أي يباغتهم ويفاجئهم به من حيث لا يتوقعونه، وهذا العذاب قيل هو في الدنيا فيما يقع عليهم من الأمر والجلاء والقتل أو الموت، وقيل هو عذاب الآخرة. والآية صالحة للمعنيين، وكلا العذابين واقع بهم لا محالة، ومما يرجح كون المراد منه عذاب الآخرة قوله تعالى «يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ» إذ كرره بالظاهر لشدة هوله، كيف وقد قرنه بقوله «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ» ٥٤ جميعهم لا يفلت منهم أحد والجملة حالية أي يستعجلونك بالعذاب والحال محل العذاب الذي هو جهنم لا عذاب فوقه محيط بهم «يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ» فيجللهم من أطرافهم كلها، وهذا معنى إحاطة جهنم بهم «ونقول» نحن إله الكل مالك الدنيا والآخرة. وقرىء بالياء أي يقول لهم الرب العظيم في ذلك اليوم «ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ٥٥ من القبح في دنياكم، ويضاهي هذه الآية الآية ١٦ من سورة الزمر المارة والآية ٤١ من الأعراف في ج ١.
[مطلب في الهجرة واستحبابها لسلامة الدين وما جاء فيها من الآيات والأخبار وهي تسعة أنواع:]
قال تعالى «يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ»
فاتركوا الأرض التي أنتم فيها مضطهدون وفروا بدينكم إلى غيرها، فإن الأرض غير ضيقة عليكم، «فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ»
٥٦ أخلصوا عبادتكم لي في أرضي لا يمنعكم فيها أحد من إقامة شعائرها، نزلت هذه الآية في إباحة الهجرة صيانة للدين، ولا تختص بزمنه