للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكذيبهم الدمار حتى صارت أطلال بلادهم عظة لمن يمر بها وقصتهم عبرة لمن يتفكر بها، فيا أكرم الرسل سل كفرة قومك و «قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فإن أجابوك بأنها وما فيها ملك لله فعليهم أن يؤمنوا به لأن المملوك تابع لسيده، وإن لم يجيبوك فأخبرهم أنت و «قُلْ لِلَّهِ» وحده فإنهم لا يستطيعون أن يجادلوك في ذلك، لأنهم يعرفون أن أصنامهم مملوكة لا مالكة ويعلمون أنهم وأصنامهم وما تملكه أيديهم لله يتصرف فيه حسبما يشاء ولا يقدرون أن يقولوا خلاف هذا، لأنهم يتحاشون عن الكذب وينتقد بعضهم بعضا به، ومنهم من يقتلون الكاذب كقوم يونس قبل إيمانهم، قاتلهم الله ولا يتحاشون عن الكفر. ولما بين تعالى كمال قدرته بمخلوقاته أردفه بكمال إحسانه إليهم فقال «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» لعباده وهو منجز وعده بها لهم لا محالة وعليهم أن يكونوا أهلا لها ليحلّها عليهم.

[مطلب في الرحمة ومعنى كتبها على نفسه المقدسة وأن الضار والنافع هو الله تعالى:]

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي. وفي البخاري:

إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش. وروى مسلم عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مئة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها فى الأرض رحمة واحدة (أي وأخر التسعة والتسعين كما مر في الآية ٥٠ من سورة الحجر المارة) فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة. وروى البخاري ومسلم عن عمر قال: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تبتغي (تطلب وتتحرى) إذ وجدت صببا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا والله وهي تقدر أن لا تطرحه، فقال صلّى الله عليه وسلم لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها. راجع الآية ٥٠ المذكورة آنفا تجد ما يتعلق بهذا البحث «لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ» بأنه آت بلا شك «الَّذِينَ» نصب بفعل الذم المقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>