للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم جوابهم اشتد غضبه عليهم «وَأَلْقَى الْأَلْواحَ» المسطور عليها التوراة، وضرب المثل: (ليس الخبر كالمعاينه) ينطبق هنا لأن الله أخبره بأن قومه عبدوا العجل ولم يلق الألواح بل استمر على سماع المناجاة، وفي مجيئه لم ير زيادة على ما أخبره به ربه، ولكن الرؤية لها وقع شديد وتأثير بليغ لهذا اشتد غضبه عليه السلام فترك الألواح «وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ» لزيادة موجدته، ولأنه لم يرسل إليه خبرا بفعلهم هذا ليرجع ويتلافى الأمر، فاعتذر إليه هرون بقوله الذي قصه الله الَ يَا بْنَ أُمَّ»

لم يقل يا ابن أبي أو يا أخي مع أن أباهما واحد أيضا طلبا لترقيقه عليه ولأن أمه هي التي قاست بتربيته ما قاست من أجله، فلعله أن يرحمه بسائق رحمة أمه له، لهذا استعطفه بذلك ليرق قلبه عليه ثم أوضح له معذرته وسبب الإقامة معهم وعدم لحوقه ليخبره بصنيعهم بقوله «إِنَّ الْقَوْمَ» بعد ذهابك يا ابن أمي قد «اسْتَضْعَفُونِي» فلم يلتفتوا لقولي ولم يصغوا إلي «وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي» حينما شددت عليهم بالمنع من عبادة العجل «فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ» بما

توقعه بي فتسرهم بما ينالني من مكروه (والشماتة الفرح ببلية العدو) «وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٢٥٠» أنفسهم بعبادة العجل والتشويق لعبادته، ولا تؤاخذني بعدم إخبارك لأني لما أردت ذلك هددوني بالقتل ولم أقدر أن أنفكّ عنهم،

ولما سمع موسى من أخيه معذرته وعلم أنه تعدى عليه «قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي» ما فعلناه بأخي لأنه من أجلك وتبين لي أنه لم يستوجب جزاء ما «وَلِأَخِي» اغفر أيضا لعدم قدرته على منعهم وعدم تقصير في نصحهم وعدم تركهم له لإخباري «وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ» الواسعة لمثل ما وقع منا وأعظم «وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ٢٥١» فاشملنا برحمتك يا إلهنا واغمرنا بعفوك الضافي، ثم قال تعالى مخاطبا لأولئك الظالمين اعلم يا موسى «إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ» وعبدوه من دوني «سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ» في الآخرة إن لم يتوبوا وتقبل توبتهم «وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أيضا بأن يعترفوا بخطيئاتهم ذليلين حقيرين، يعلوهم الصغار بإسلام أنفسهم للقتل «وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ١٥٢» علينا، وهذا مما أخبر الله به موسى أثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>