الوعيد بقوله «وَلا تَقْرَبُونِ ٦٠» البتة إذ يظهر له عدم صحة قولكم هذا على قراءة الكسر، وعلى قراءة الفتح يكون المعنى لا تدخلوا بلادي لأني سأعاملكم معاملة العيون. وتأتوني تقرأ بالهمز وبدونه مثل يأكل ويأكل، أي أنه يعاملهم معاملة الجواسيس فضلا عن عدم الإيفاء بالكيل والإحسان في الضيافة أي لا أمدكم ولا أدخلكم بلادي وسأردكم خائبين وذلك عبارة عن ترهيب وتضييق ووسيلة لاهتمامهم بجلب أخيه
«قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ» فنحتال عليه حتى ننتزعه منه ونحضره لك وأكدوا له تنفيذ ما أمرهم به بقولهم «وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ٦١» ما أمرتنا به إذ لا غنى لنا عن العودة لحاجتنا إلى الميرة لأنا آل بيت معروف تطرقه الضيفان من كل مكان وما تصدقت به علينا لا يكفينا، وأذن لهم بالانصراف «وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ» من طعامهم الذي ابتاعوه منه «فِي رِحالِهِمْ» أوعيتهم التي يحملون فيها أشياءهم «لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ٦٢» إلينا، لأن ديانتهم وأمانتهم تحملهم على ردها فيحصل المطلوب من قصد حضورهم بأخيهم، وهذا التفسير أولى بالمقام وبسياق الكلام من أن يراد بالبضاعة معرفة كرمه وسخائه لأنهم قد علموا ذلك مما تقدم، أوانه رأى أخذ الثمن من أهله لؤما مع أنه ليس بشيء عنده، وقد صمم على بيعهم إليه أو أنه أراد أن يحسن إليهم على وجه لا يلحقهم به عيب فرده إليهم، فهذه الأوجه كلها وان كان يحتملها التفسير إلا أنها بعيدة عن المرمى نائية عن المغزى، والله أعلم. قال تعالى «فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ» قال لهم ولم ذلك قالوا إن ملك مصر أحسن وفادتنا وأكرمنا إكراما لو كان من ولد يعقوب ما فعل بنا مثله، إلا أنه ظن أنّنا جواسيس وعيونا على مملكته لأنا من قطر غير قطره، طلب أولا منا من يعرّفنا بعد أن عرفناه بحالنا ونسبنا فقلنا له إنا غرباء لا يعرفنا أحد، فازداد تنكرّه منا وأخذ أخانا شمعون رهنا على أن نحضر له أخانا بنيامين دلالة على صدقنا إذ ذكرنا له قصتنا وفقد أخينا الذي هو أحبنا لأبينا، وإننا لم نأت به لأن أبانا أبقاه يتسلى به، وقال لنا إن لم تأنوا به فلا أميركم بعد أبدا «فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا