وقالوا إذا رأيت من أخيك أمرا تكرهه، أو خلة لا تحبها فانصحه وانهه واضرب له الأمثال على قبح عاقبتها، ولا تهجره رأسا، ولا تقطع صلته ولا تصرم ودّه، ولكن داو كلمته، واستر عورته، وابقه وابرأ من عمله قال تعالى (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) الآية ٢٦٧ من سورة الشعراء في ج ١، فإن الله لم يأمره بقطعهم بل بالبراءة من سيء عملهم، وقيل:
أخاك الذي إن تدعه لملمة ... يجبك كما تبغي ويكفيك من يبغي
وان تجفه يوما فليس مكافئا ... فيطمع ذو التزوير والوشي ان يبغي
وقالوا ليس سرورا يعدل لقاء الاخوان ولا غم يعدل فراقهم، ولكن من هؤلاء الإخوان فإن اخوان أهل هذا الزمن خوّان، ان أبديت لهم شيئا أحبوك وان منعتهم رفدك بغضوك، وهم كما قالوا شر الإخوان الواصل في الرخاء الخاذل في الشدة، وهذا الصنف منهم كثير، وفيهم يقول القائل:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... ومن أين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ... ذئابا على أجسادهن ثياب
وأتى هؤلاء ممن نوه بهم حضرة الرسول بقوله ما تحابّ اثنان في الله الا كان أفضلهما عند الله أشدهما حبا لصاحبه، وما زار أخ أخا في الله شوقا إليه ورغبة في لقائه إلا نادته الملائكة من ورائه طبت وطابت لك الجنة. وما أحسن ما قيل:
وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحبا بعد صاحب
فلم ترني الأيام خلأ تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب
راجع الآية ٢٩ من سورة الفرقان في ج ١ تجد ما يتعلق بهذا البحث، وله صلة في الآية ٦٧ من سورة الزخرف الآتية فراجعها، قال تعالى «أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ» لكم ولغيركم إيفاء مستمرا بدلالة استقبال الفعل لأن هذا الكلام وقع بعد أن كال لهم «وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ٥٩» المقرين للضيف سابقا ولا حقا بدلالة الجملة الاسمية ولم يقل هذا بطريق الامتنان بل قاله حتما لهم على تحقيق ما أمرهم به يدل عليه قوله «فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي» مرة أخرى ففيه إيعاد لهم على عدم الإتيان بأخيهم المتضمن مخالفة أمره وزاد في