في ذلك اليوم «فَكانَتْ أَبْواباً» ١٩ وطرقا ومخارج وفجاجا بخلاف حالتها اليوم «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» ٢٠ في عين الناظر إذ تقلع من مقارها فتكون هباء منثورا
«إِنَّ جَهَنَّمَ» التي أعددناها للكافرين بنا «كانَتْ مِرْصاداً» ٢١ للناس وممرا لهم فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار، وإذ ذاك ترصد من هو من أهلها فتصيده وتوقعه فيها وتترك من هو من أهل الجنة فيعبرها، فهي كالمكان الذي يرصد الراصد فيه لعدوه، وقد شبهها الله بذلك بجامع الانتظار في كل، لأن الراصد ينتظر الصيد أو العدو ليقتله، وجهنم تنتظر أهلها لتحرقهم، وذلك أن الصراط مضروب على متن جهنم، وقد جعل الله فيه رصدا لكل من بمر به، فإذا كان من أهل الجنة تركه وشأنه حتى يصل إليها، وإن كان من أهل النار أمسك به فألقاه فيها، ولهذا قال تعالى «لِلطَّاغِينَ مَآباً» ٢٢ مثوّى يرجعون إليها رجوع إقامة لا يخرجون منها أبدا لقوله تعالى «لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً»
٢٣ سنين كثيرة، والحقب ثمانون سنة كلما نقد حقب تلاه الآخر، فلا تتناهى وإن كثرت بل يبقون فيها دائما لقوله تعالى (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) الآية ٢٠ من سورة السجدة المارة، فراجعها تعلم الآيات الدالة على تخليد الكفرة، وأنه ليس لهم مدة مخصوصة «لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً» نوما والعرب تسمي النوم بردا وهو لغة هذبل لأنه يبرّد سورة العطش، قال الشاعر:
فلو شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
راجع الآية ٩٩ من سورة المؤمنين المارة تعلم ذلك «وَلا شَراباً» ٢٤ لتخفيف حرارة ما هم فيه، قال ابن عباس هو الشراب البارد، وأنشد عليه:
أمانيّ من سعدى حسان كأنما ... سقتك بها سعدى على ظمأ بردا
هذا وما قاله مقاتل من أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى فيما يأتي (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) قول عاطل لا ينبغي أن يصدر من مثل مقاتل ولعله مدسوس عليه «إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً» ٢٥ الحميم الصفر المذاب والماء الشديد الغليان، والغسّاق السائل من صديد أهل جهنم وقال ابن عباس وأبو العاليه: الغساق هو الزمهرير الممزّق لشدة برده أحشاء شاربه، والاستثناء منقطع لأنه من غير جنس الشراب