للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب في الدعاء والعبادة وإنعام الله على عباده ومراتب الإنسان في الخلق وذم الجدال:]

قال تعالى «وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» دعاءكم قال بعض المفسرين ادعوني هنا بمعنى اعبدوني بدليل قوله «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي» ولا يدعوني «سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ٦٠» صاغرين أذلاء مهانين لأنهم لم يدعوه ولم يعبدوه ولم يعترفوا بربوبيته، ولا يخفى أن الدعاء مخ العبادة بل هو العبادة نفسها وزبدتها كقولك الحج عرفة والدين النصيحة أي معظمه فإبقاء اللفظ على ضاهره أولى. ومما يدل على هذا ما رواه النعمان بن بشير صاحب معرة حلب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول على المنبر الدعاء هو العبادة، ثم قرأ هذه الآية، أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وأخرج الترمذي عن أنس بن مالك: الدعاء مخ العبادة. هذا، ولا يقال إن الإنسان يدعو فلا يستجاب له، لأن للدعاء شروطا وآدابا أمها الإخلاص، وأبرها اليقين، وملاكها أكل الحلال، وقوامها رد المظالم، فالتخلف يكون من جهة الداعي لا من جهة الإله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء القائل (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وقد يكون الداعي يدعو وقلبه مشغول بغير الدعاء وقد يدعو بما لا مصلحة له به ولا فائدة لغيره أو بما فيه قطيعة رحم أو تعد على الغير، وقد يدعو فيما فيه المصلحة والصلة، ولكنه غير متيقن بالدعاء ولا موقن بالإجابة، أما إذا اتصف بالشروط المطلوبة فيكون جديرا بالإجابة حالا أو مآلا بحسب المصلحة المقدرة، والله أكرم من أن يرد سائله من بحر جوده الذي لا ينضب وواسع عطائه الذي لا ينفد، وقدمنا في الآية ١١١ من سورة الإسراء ما يتعلق في هذا البحث بصورة واسعة، فراجعها وما ترشدك إليه، وله صلة في الآية ١٨٥ من سورة البقرة في ج ٣ فراجعها أيضا.

قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ» تأخذوا راحتكم من التعب بالنوم والاضطجاع وأنكم من الوحشة باجتماعكم بنسائكم وأولادكم «وَالنَّهارَ مُبْصِراً» لتتمكنوا فيه من قضاء حوائجكم وأشغالكم من من غير حاجة إلى ضياء آخر ولتقوموا فيه بوسائل معاشكم وتتعرفوا فيه لفضل ربكم فتصيبوا منه حظكم «إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ» عظيم لا يوازيه

<<  <  ج: ص:  >  >>