للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليمسكوه ويقتلوه، فألقى الله شبهه عليه جزاء وفاقا كما سيأتي تفصيله في الآية ١٨٧ من سورة النساء في ج ٣، وقال الله تعالى في حق هذا القرآن (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) الآية ٥٠ من آل عمران في ج ٣، بما يعم التوراة والإنجيل وغيرهما، ولذلك تعهد الله بحفظه ولم يشر إلى مثل تلك الآية فيها لعلمه أن يقع فيها ما يقع من التغيير والتبديل، وقد ولى حفظها إلى الربّانيين والأحبار فاختلفوا وذهب كل منهم مذهبا في تأويلها، ففسر كل منها على ما تهواه نفسه، أما القرآن فقد أنزله الله تعالى على النبي العربي الأمي بلغته ولغة قومه وأبقاه كما أنزله وسيبقى على حاله إلى يوم القيامة إذ جعله معجزا مباينا لكلام البشر لا يقدر أحد أن يعارضه في إعجازه وفصاحته وبلاغته ولو زيد فيه حرف أو أنقص منه حرف لتغيّر نظمه ومبناه، ولو غيرت منه كلمة أو بدلت ذهب رونقه ومعناه، ولو قدم أو أخر منه شيء لاختلف المراد من مغزاه، ولو حرف حرف منه لنبدلت أحكامه وقضاياه، فيظهر لكل عاقل بالضرورة أنه ليس من القرآن ويخرج عن كونه كلام الملك الديان، وقد سخر الله تعالى عبادا من خلص عباده يذبّون عنه دواعي المبتدعة والملاحدة وأهل الكتابين المتعصبين بغير الحق، وأبقاهم كذلك إلى اليوم الذي قدر فيه رفعه ممن ليس بأهله، فصانه على هذه الصورة من كل إفساد وإبطال، وأبقاه كما أنزله صادعا بالحرام والحلال والأخبار والأمثال والحمد لله رب العالمين. وقدمنا ما يتعلق بهذا في المقدمة من بحث حفظ القرآن ما به كفاية فراجعه. هذا وما جرينا عليه من عود الضمير في له إلى القرآن أولى وأليق وأحسن من عوده إلى محمد صلّى الله عليه وسلم بداعي أن الله تعالى ذكر الإنزال والمنزل وكنى به عن المنزل عليه بعود الضمير له وهو محمد صلّى الله

عليه وسلم مع أن هذا معلوم بالبداهة، وإن سياق الآية يأبى عود الضمير إليه بل عوده لأقرب مذكور، وهو الذكر أوجب وأصح وأشهر. قال تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ» يا محمد رسلا كثيرة «فِي شِيَعِ» فرق «الْأَوَّلِينَ ١٠» السابقين

«وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ١١» فكذلك قومك قد أساءوا الأدب معك مثلهم، راجع الآية ٣٠ من سور يس المارة في ج ١، والآية ٩ من الزخرف الآتية. أنزل الله هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>