للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى لأنه حال قيام الأشهاد لا تنفع المعاذير، قال تعالى «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى» بجميع وسائله «وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ٥٣» ليهتدوا به ويعملوا بمقتضاه بحياته وبعد وفاته لأنا جعلناه «هُدىً» للناس، لأن التوراة المعبر عنها بالكتاب هنا أجمع كتاب أنزل من بدء الخليقة حتى نزول القرآن العظيم، لأنه الجامع لكل ما في الكتب المتقدمة عليه «وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ٥٤» يتذكرون بها، لأن ذوي القلوب الواعية هم أهل التذكر والتفكر فيها، وعلى هذا فإن قومه لم يعملوا بها ومن عمل منهم بها كان مرغما، وقد هجروها من بعده ولم يتقيدوا بوصاياها وأهملوا أحكامها وغيروا وبدلوا قسما منها. ثم التفت إلى حبيبه محمد وخاطبه عزّ خطابه بقوله «فَاصْبِرْ» يا سيد الرسل على أذى قومك وتحمل جفاهم ولا يهمنك عدم سماعهم لقولك وما تتلوه عليهم من كتابك، فقد صبر قبلك الرسل إخوانك على أقوامهم حتى أتاهم الوقت المقدر لعذابهم، وأنت اصبر إلى أن يحين عذابهم الذي وعدناك به «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ» بإظهار دينك وإعلاء كلمتك ونصرتك عليهم وإهلاكهم «حَقٌّ» منجز لا يخلف عن موعده المقدر له «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ» الذي تراه ذنبا بالنسبة لمقامك، وإن لم يكن ذنبا بالنسبة لأمتك كترك ما عمله أولى وأفضل، وهذا من قبيل التعبد لزيادة الدرجات له صلّى الله عليه وسلم ولتستنّ أمته بذلك، وقدمنا بأن الذي يعد ذنبا على الأنبياء هو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، وأوضحنا ذلك في الآية ٦٥ من سورة الزمر المارة وغيرها، وهذا الاستغفار أحد قسمي الطاعة وهي التوبة عما لا ينبغي فعله، والقسم الثاني الاشتغال بما ينبغي فعله، وهو قوله تعالى قوله «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ٥٥» بعد التوبة لأن التوبة من قبيل التخلية، والتسبيح بعدها من قبيل التحلية، والتحلية تكون عادة بعد التخلية.

[مطلب الآيتان المدنيتان وعصمة الأنبياء وكلمات لغوية والدجال ومن على شاكلته:]

وهاتان الآيتان المدنيتان من هذه السورة، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ» وهم كفار اليهود الجهلة فهم «إِنْ فِي صُدُورِهِمْ» مما يجادلون به ما هو «إِلَّا كِبْرٌ» في نفوسهم حملهم عليها وانهم مهما تعاظموا

<<  <  ج: ص:  >  >>