[مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:]
قالوا لما صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ودعا نفرا من الأصحاب فأكلوا وقدم لهم الخمر فشربوا لأنها لم تحرم بعد على القطع، ثم قدموا أحدهم يصلي بهم المغرب فقرأ (أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) بدل لا أعبد ما تعبدون، أنزل الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً» باحتلام أو غيره. والجنب لفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع «إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ» مسافرين عادمي الماء عبّر عن التيمم بالمسافر لأن غالب حاله عدم الماء في البادية «حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى» وتحقق لكم مضرة الماء بتجربة أو اخبار حاذق ملم «أَوْ» كنتم «عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» هو المحل المنخفض يذهب إليه لقضاء الحاجة فيه كي لا يرى، وكنّى به عن الحدث «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» جامعتموهن، وكنّى بالملامسة عن الجماع تحاشيا عن ذكره وتعليما للناس أن يتأدبوا بآداب القرآن فلا ينطقوا بكلام مستهجن تمجه النفس ويأباه الطبع السليم من كل ما ينافي الأدب، ولا سيما ما يتعلق بالنساء فيكنّون في كل ما يتحاشى عن ذكره ويتعالى الأديب عن التصريح به ويتباعد الأريب عنه، فإذا وقعتم أيها الناس في هذه الحالة ولم تجدوا ما تنطهرون به «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً» تغتسلون به أو لم تقدروا على استعماله أو لم تستطيعوا وصوله لخوف من حيوان أو قاطع طريق أو من يترصد لقبضكم وحبسكم أو لم يكن عندكم آلة تنضحون بها الماء «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً» هو وجه الأرض مطلقا ترابا أو غيره «طَيِّباً» طاهرا، وإذا أردتم التيمم به «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا» يصفح عن عباده وييسر لهم برخصه «غَفُوراً»(٤٣) للخطأ والتقصير. اعلم أن صدر هذه الآية هو الآية الثالثة النازلة في الخمر الممهدة لتحريمه على القطع كما أشرنا إليه في الآيتين ٢٢٠ من البقرة المارة و ٦٧ من سورة النحل في ج ٢ وليس فيهما تصريح المنع، والمنع في هذه مقيد في الصلاة فقط ولذلك لم ينته عن الخمر بعد نزولها إلا ذوو النفوس