عليه هو الأولى بالمقام والأنسب لظاهر التنزيل والأليق بسياق التأويل والله تعالى أعلم «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ» عن قبول الحق فنحول بينه وبين أن تعيه قلوبهم لئلا يؤمنوا «وَأَبْصارَهُمْ» كي لا يروه فيما لو كان مرثيا ولا يروا المنزل عليه على حقيقته التي جعله الله عليها حتى لا يصدقوه فيما يتلو عليهم من تلك الآيات، وهذا تقرير لحكم الآية الأولى واثبات لعدم إيمانهم وذلك لما سبق في علم الله سوء استعدادهم الكامن في ما هيّاتهم أفاض عليهم ما يقتضيه وفعل بهم ما سألوه بلسان الاستعداد بعد أن رغبهم ورهبهم وأقام الحجة عليهم وأوضح لهم الحجة ولله الحجة البالغة وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، وإنما حال بينهم وبين الإيمان بالآيات ولم يتركهم يرونها كما أنزلت لا عند نزولها ولا بعده «كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» أي كما أنهم لم يؤمنوا بمحمد عند إراءتهم الآيات المتقدمة مثل انشقاق القمر والإخبار بالغيب والإسراء والمعراج وما وقع فيها من الآيات وغيرها، فلو أنزلنا عليهم الآن آية حسب طلبهم لكفروا بها أيضا كما كفروا بما قبلها وكذبوا رسولهم، ولهذا أنزل عليهم آية «وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١١٠» يترددون في الحيرة لا يهتدون إلى الحق لأن قلوبهم هواء منه ولا يرونه لغفلتهم عنه، واعلم يا أكمل الرسل أن من قومك من لم يؤمن وخاصة المقترحين
«وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى» كما طلبوا منك «وَحَشَرْنا» جمعنا وسقنا «عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا» بضمتين وقرىء بضم القاف وفتح الباء وبكسر القاف وفتح الباء، وبكسر الباء وضم القاف، وعلى الكل معناه المشاهدة مقابلة وعيانا، أي لو جعلنا لهم ذلك كله فواجهوا الملائكة والموتى وتكلموا معهم إلخ «ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا» وهذه الجملة جواب لو التي هي حرف امتناع أي امتنع إنزال الملائكة إلخ لامتناع إيمانهم، واعلم أن جواب لو إذا كان منفيا لا تدخله اللام، راجع بحثها في مغني اللبيب إذ أحاطه بجميع ما يتعلق بها، وقد وهم بعض المفسرين فقدروها وعللوا هذا الحكم بسوء استعدادهم الثابت أزلا في علم الله المتعلق بالأشياء حسبما هي عليه في نفس الأمر وعلله بعضهم بسبق القضاء عليهم بالكفر واعترض عليه بعض الأفاضل بأن فيه تعليق الحوادث بالتقدير الأزلي ولا يخفى فساده،