على أنه لا خفاء بأن القضاء الأزلي الذي هو سبب لوقوع الحوادث ولا فساد فيه وفي هذا المقال بحث أعرضنا عنه إذ لا طائل تحته، وفسر بعضهم قبلا وعليه يكون المعنى لو جمعنا كل الأشياء فأحضرناها وجعلناها كفلاء بصحة ما تقول من أحقية الإيمان لم يؤمنوا وهو كما ترى وفي الحقيقة لا يستطيع أحد أن يؤمن «إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» إيمانه «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ١١١» ذلك ويزعمون أن الإيمان بأيديهم وهو زعم باطل وقول عاطل وهذه الآية كالجواب للمؤمنين الذين طلبوا من حضرة الرسول إنزال الآيات المذكورة حبّا بإيمان المشركين الذين اقترحوها وسبب لنزولها قال تعالى «وَكَذلِكَ» مثل ما جعلنا لك يا محمد أعداء من قومك وغيرهم «جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا» ثم بين هذا العدو بأن أبدل من لفظه قوله «شَياطِينَ» وعتات «الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» والشيطان يطلق على كل عات تمرد من الإنس والجن قال مالك بن دينار شياطين الإنس أشد من شياطين الجن، لأن الأخير إذا تعوذت منه يهرب، والأول يثبت، ولذلك قدمه الله تعالى، روى الطبري عن أبي ذر ما يؤيد هذا القول، ورواه البغوي أيضا ولكن بغير سند، وهذا القول أولى من جعل الشياطين كلها من الجن أي أن إبليس يرسل أعوانه لإغواء الإنس والجن لمخالفة ظاهر الآية وقد جاء بالخبر: قرناء السوء شر من شياطين الجن بما يؤيد ما ذكرناه لأن قرين السوء يوقع صاحبه في المهالك بما يسول له من سلوك سبل الشر وقد يقره عليها أحيانا أما شيطان الجن فيقصر عمله على الوسوسة بتحسين كل قبيح ليس إلا لقوله تعالى «يُوحِي» يسر ويشير «بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ» أي يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس وبعض الإنس إلى الإنس وبعض الجن إلى الجن فيفتنون بعضهم أيضا ولا يقال يوسوس الإنس إلى الجن لأنه لا يقدر أن يجري منه مجرى الدم كما يفعل الجن ذلك بالإنس قال صلّى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم وأنّى للإنسان من ذلك، وهذه الوساوس التي تلقى بقصد الإغراء «زُخْرُفَ الْقَوْلِ» بالنصب على أنها مفعول يوحي وهو عبارة عن القول الباطل المموه الذي ظاهره غير باطنه كالإناء المطلي ليكون «غُرُوراً» خداعا حيث يأخذونهم بما يزينون لهم من الأعمال القبيحة على غرة منهم وغفلة «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ»