البتة إذ لا يقع شيء دون مشيئته كما مر في الآية السابقة وهي مؤيدة لما جاء في الآية ١١٠ المارة بشأن الإرادة لأنه تعالى قادر على منعهم من الوسوسة وقادر على حفظ عباده من قبولها من بعضهم ومن الجن أيضا، وإنما يسلطهم امتحانا على من يشاء واختبارا لبعض عباده راجع الآية ٣٦ من سورة الحجر المارة «فَذَرْهُمْ» اترك هؤلاء الكفرة يا أكرم الخلق ودعهم «وَما يَفْتَرُونَ ١١٢» من القول فيك وفي ربك وكتابك فإني سأخزيهم وأنصرك عليهم «وَلِتَصْغى إِلَيْهِ» تذعن وتنقاد إلى تمويه الشياطين ووساوسهم «أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» ممن سبق في علم الله شقاؤهم «وَلِيَرْضَوْهُ» لأنفسهم طوعا واختيارا ورغبة إذ تميل إليه قلوبهم حبا به «وَلِيَقْتَرِفُوا» من هذه الزخارف الآخذة بهم إلى قبيح العمل وسوء الفعل وخطأ القول «ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ ١١٣» من أنواع الآثام مما يزين لهم شياطينهم من الكفر والشرك والعصيان والاستهزاء والسخرية بنا فإنا من ورائهم، وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما لا يخفى ولما قال المشركون
يا محمد اجعل بيننا وبينك حكما من أعيان العرب نتقاضى إليه في أمرنا وأمرك أنزل الله جل إنزاله قل يا أكرم الرسل «أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً» يقضي بيننا «وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ» علي «مُفَصَّلًا» فيه كل شيء من الحلال والحرام والأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص والأخبار والحدود والأحكام والحوادث والأمثال، وموضحا فيه الحق من الباطل والصدق من الكذب، فهو وحده الحكم الحق بيني وبينكم وهو يحتوي على ما في الكتب القديمة والصحف وفيه ما لا يوجد فيها، وهذا القول وقع بالمدينة والحكم الذي أرادوه من أحبار اليهود وأساقفة النصارى الموجودين فيها لأن هذه الآية الخامسة المدنية من هذه السورة المستثناة منها «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» من اليهود والنصارى الذين أرادهم المشركون حكما «يَعْلَمُونَ» حق العلم ويوقنون حق الإيقان «أَنَّهُ» أي القرآن المنزل عليك والذي تحدثهم به «مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ» لما هو ثابت في كتبهم بالدلائل القاطعة على صحته وصدق نبوتك «فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ١١٤» الشاكين في ذلك بل أيقن وتحقق أنهم عالمون به علم اليقين فلا يخطر ببالك عدم