قال تعالى «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ» أيها النّاس «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» فيتعذر عليه الإنفاق في حياته وفيما يؤتى به يوم القيامة في الموقف ويسأل عن تقصيره هذا يعتذر «فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» ولم تمتني بغتة «فَأَصَّدَّقَ» بمالي على عيالك فلا يقبل منه، لأنه أمهله أعواما كثيرة ولم يفعل وكان يمكنه التصدق قبل حلول أجله لو كان صادقا فيما يقوله ويتمناه، وكان بوسعه التصدق ولكنه كان كاذبا يسوف طيلة السّنن التي قضاها حال صحته وقدرته على التصدق ولم يفطن لهذا ولم يذكره، وكذلك قوله «وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ»(١٠) لا صحة له، لأن الله يعلم لو أمهله فيما أراد لا يفعل شيئا من ذلك لاغتراره بالدنيا ولهوه في زخارفها فلم يخطر بباله حال الرّخاء ما خطر بباله حال الشّدة، فوقع في الأسف والدّامة والحسرة بعد فوات وقت قبولها فلم يصلح لإجابة طلبه بل للقاء النّار. وهذه الآية من تتمة ما نزل في المنافقين لأن المؤمن لا يسأل الرّجعة عند حلول الموت، ولأن ما بعده خير له مما قبله، وهو يحب لقاء الله والله يحب لقاءه، فلا يغتر بالدنيا ولا بطول العمر والتمتع بالعافية والرّفاه فيمنع الزكاة ويسوف بالتوبة ويصر على المعاصي كالكافر والمنافق، بل يتوب ويتصدق وهو صحيح صحيح،
ولهذا قد ردّ الله على المنافق قوله وتمنيه بقوله عز قوله «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها» أبدا لما ثبت باللوح هكذا ولا يقدم ولا يؤخر عن وقته المقدر له «وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(١١) بالدنيا لو ردّكم إليها لاستمريتم على أفعالكم القبيحة وحرصكم على المال وتقاعسكم عن فعل الخير كما كنتم واكثر، قال تعالى (لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) الآية ٢٧ من الأنعام ج ٢ وهذه الآية عامة في كلّ من هذا شأنه، ونزولها في المنافقين لا يمنع شمولها لغيرهم ولا يخصصها فيهم، لأن العبرة لعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب فنسأل الله العفو والعافية والتوفيق إلى أقوم طريقها وأقول:
إليك بسطت الكف في فحمة الدّجى ... نداء غريق في الذنوب غريق
رجاك ضميري كي تخلص حجتي ... وكم من فريق شافع لفريق
فاشفع يا رسول الله بعبدك الجامع لهذا. ويا رب وفقه لإكماله وانفع به عبادك،