حتى أنزل الله بتصديقي (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) ثم قال دعاهم رسول الله ليستغفر لهم، قال فلووا رؤوسهم، قال أصحاب السّير جاء عبد الله رضي الله عنه بن عبد الله بن أبي بن سلول فقال لحضرة الرّسول إن كنت تريد قتله يا رسول الله فدعني آت لك برأسه، لأن النّاس تعلم أني أبرّ النّاس به، فإن قتله غيري يا رسول الله يصعب علي ما تلوكه بعد ألسنة النّاس، وأنا ما أنا عليه من البر بالوالدين والغيرة على السّمعة، لذلك يا سيدي أحشى أن لا تدعي نفسي أنظر إلى قاتله غيرة منها وخشية من تقول النّاس، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النّار، فقال له صلّى الله عليه وسلم بل لترفق به وتحسن صحبته ما كان معنا، وقال أسيد بن حضير يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وقومه يعملون له التاج كي يتوجوه، وأنه يرى أنك سلبته ملكه قال أصحاب السّير ولما قرب عبد الله بن أبي من المدينة وأراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله رضي الله عنه وأرضاه وقال له وراءك، قال ويلك مالك، قال والله لا تدخلها أبدا إلّا أن يأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولتعلمن اليوم من الأعز من الأزل فشكاه إلى رسول الله، فأرسل إليه أن خلّ عنه، فقال إذا جاء أمر الرّسول فقم فدخل المدينة. وقيل قالوا اذهب إلى رسول الله يستغفر لك، فقال أمرتموني أن آمن فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت، فما بقي إلّا أن أسجد لمحمد، فأنزل الله هذه السّورة. وذكر قصة المريسيع فيها لا يعني أنها نزلت بوقتها بل كانت في سنة ستّ كما ذكرنا وقد أنزل الله في هذه الغزوة فرض التيمم كما أشرنا إليه في الآية ٤٢ من سورة النّساء المارة وأشار إليها جل شأنه في هذه السّورة كغيرها من القصص فإنها قد تقع في
زمن يخبر عنها في زمن آخر قبل وقوعها أو بعده أو زمنه، كما أن أسباب النّزول كذلك، فإنه قد يرافق الحادثة وقد يتقدمها أو يتأخر عنها. قالوا ثم اشتكى عبد الله ولم يلبث إلّا أياما ومات على نفاقه كما سيأتي ذكره في الآية ٨٤ من سورة التوبة الآتية إن شاء الله. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ»(٩) في الدّنيا بسبب عقلتهم وانهما كهم في حب أموالهم وأولادهم المؤدي إلى خسارتهم في الآخرة