هذا على القول بأنهم كانوا بعد المسيح، وهناك قول آخر بأنهم كانوا قبل موسى عليه السلام، والقرآن لم يبين لنا زمانهم، لذلك يجب أن نحيل العلم بزمانهم وعددهم إلى العليم الخبير وهو أسلم. وفي إكرام هؤلاء الفتية دليل على صحة كرامات الأولياء، وكذلك قصة عرش بلقيس المارة في الآية ٣٩ من سورة النمل وما ذكرناه أول سورة الجن وما ذكر في سورة مريم في الآية ١٦ فما بعدها من سورتها في ج ١ وآخر سورة الأحقاف المارة وما ذكر في الآية ٣٧ من سورة آل عمران ج ٣ عن مريم وزكريا، والأدلة السمعية والنقلية والعقلية تدل على ثبوتها، والأخبار متواترة والآثار شاهدة ومؤكدة على وجودها ولا ينكرها إلا فاسق مارق.
قال تعالى «وَاتْلُ» يا أكرم الرسل «ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ» مما أخبرك به عن هذه القصة وغيرها ولا تلتفت إلى الأقاويل فيما يخالف ذلك لأنه محرف مبدل مغير وإن ربك «لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ» ولا مغيّر لها البتة «وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً» ٢٧ حرزا تلجأ إليه فيه منه عند إلمام ملمة. وملتحد في الأصل المدخل في الأرض، قال خصيب الضمري:
يا لهف نفسي ولهف غير مجدية ... عني وما عن قضاء الله ملتحدا
ويأتي بمعنى الميل والعدول، والأنسب هنا ما ذكر أولا. وهذه الآية المدينة الأولى من هذه السورة.
مطلب أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:
قال تعالى «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ» إلى غيرهم وتتركهم «تُرِيدُ» بمجالسة غيرهم من الأشراف والأغنياء بقصد «زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» فتستبدل محبتهم وهم مؤمنون بسبب فقرهم وميلهم للآخرة بأناس كفرة دنيويين لكونهم أغنياء ورؤساء كلا لا تفعل «وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ» في شهوات الدنيا وملاذها وهو عيينة الآتي ذكره النازلة في حقه هذه الآية، وأمية ابن خلف الذي يقول في حقه جل قوله «وَكانَ أَمْرُهُ»