للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآخرة «فُرُطاً» ٢٨ هلاكا وخسرانا، والفرط الظلم والاعتداء ومجاوزة الأمر عن حده وضياع الأمر عن وقته وتعطيل العمر في اللهو والسرف في الشيء الباطل، نزلت هذه الآية قيل وما بعدها في سيدنا سلمان الفارسي ورفقائه رضي الله عنهم، وذلك حين أتى عيينة بن حصن الفزاري إلى حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان عند حضرة الرسول جماعة من فقراء المسلمين، فقال له أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها إن أسلمنا أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحهم عنك، حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا على حده لأنا لا نرضى أن نجالسهم، فلم يلتفت لقولهم. ومن قال إنها نزلت في أمية ابن خلف، قال إن هذه الآية مكية بالنظر لأن السورة مكية، والصواب ما جرينا عليه وعليه أكثر المفسرين، وقد أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن سلمان رضي الله عنه، وروى أبو الشيخ عنه ذلك، وإن حضرة الرسول صار يلتمسهم ويتعاهدهم أكثر من ذي قبل، حتى قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، ثم قال إلى سلمان وأبي ذر وأمثالهما معكم الحياة والممات. أما الآية المكية التي نزلت في سيدنا بلال ورفقائه الخمسة التي تضاهي هذه الآية، فهي الآية ٥٢ من سورة الأنعام المارة كما أشرنا بها عن هذا فراجعها. ثم التفت إلى حبيبه صلّى الله عليه وسلم وخاطبه بقوله «وَقُلِ» يا سيد الرسل لقومك عاملي القلوب عما يراد بهم في الآخرة «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ» أيها الغافلون عن ذكره انتبهوا فإليه الأمر ومنه التوفيق والخذلان، وبيده الهدى والضلال «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ» بهذا القرآن المنزل عليّ من ربي «وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ: وهذه الجملة جارية مجرى التهديد على حد قوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) الآية ٤٠ من فصّلت المارة، وإني لست بمعرض عن هؤلاء لأجل إيمانكم، فإن آمنتم فلكم الجنة، وإن أصررتم على كفركم وظلمتم أنفسكم فالله تعالى يقول «إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها» السرادق الحجرة التي تحيط بالقسطاط، وهذه الكلمة لم تكرر في القرآن فقد شبه الله تعالى ما يحيط بهم من النار بالسرادق حول الحجرة، أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال

<<  <  ج: ص:  >  >>