عظيما، وان محمدا أكبر وجاهة وأجل حرمة عند ربه وأعظم درجة وأقرب منزلة منه وأزيد فضلا من الرسل كافة، وما جاء عنه صلّى الله عليه وسلم من قوله لا تفضلوني على موسى، هو من قبيل هضم النفس والتحدث بالنعمة، وإلا فهو يعلم بإعلام الله إياه أنه أفضل وأكمل خلق الله الرسل فمن دونهم. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ»
من أن يقع منكم شيء يغضب الله ورسوله «وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً»(٧٠) صوابا عدلا وإياكم والخوض فيما لا يعنيكم وإنكم إذا امتثلتم وانقدتم إلى الله
«يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً»(٧١) في الآخرة لا يضاهيه فوز.
ولما أرشد الله كمل عباده إلى مكارم الأخلاق وبين عظيم شأن طاعته وطاعة رسوله أعقبه ببيان ما يوجب ذلك وصعوبة الوصول إليه بقوله عز قوله «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ» التي ملاكها طاعة الله ورسوله، وجماعها امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وقوامها مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فيدخل فيها الامتثال لكل شيء حسن والاجتناب عن كل شيء، كالوفاء بالوعود والعهود وعدم نقضها والغدر فيها وأداء الودائع والأمانات والكف عن كتمها والمماطلة بأدائها ومنع الحواس عن غير ما خلقت لها وصرفها فيما أباحه الله تعالى ووضع الشهوات في محالها المباحة وكفها عما حرم الله وغير ذلك. وكان هذا العرض «عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» ليحملنها وخص الله تعالى هذه الثلاثة دون غيرها لكمال شدتها وصلابتها فامتنعن لأنهن وإن كن في غاية القوة إلا أن أمانه الله فوق ذلك، ولهذا حكى حالهن بقوله «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» خوف الإضاعة فيكنّ قد خنّها لأن حملها عبارة عن خيانتها لتحقق عدم القيام بها كما يريده الله وأن عدم القيام بأوامره خيانة كالإقدام على نواهيه «وَأَشْفَقْنَ مِنْها» خفن من أن لا يقمن بها فلا يؤدينها كما أراده الله منهن فيلحقهن عذابه وينلهن عقابه «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» لفظ عام في آدم وغيره إلى قيام القيامة، فالإنسان المركب من اللحم والدم والعظم على ما هو عليه في غاية الضعف بالنسبة لتلك أقدم على حملها مع وهنه، وتلك الأجرام العظيمة أبت أن تقدم على حملها، وما ذلك إلا لأنه كما ذكر الله «إِنَّهُ كانَ» ت (٣٢)