«وَكُنْتُمْ» أيها الناس حينذاك «أَزْواجاً ثَلاثَةً» ٧ صنفين في الجنة وواحدا في النار، وكل ما كان بعضه من بعض أو يذكر بعضه مع بعض يسمى زوجا، وإلا فأصناف وأنواع وأحزاب، ثم بينها بقوله عزّ قوله «فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ» جانب اليمين الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم فيؤخذ بهم إلى ذات اليمين وهي الجنة، وهذا الزوج الأول الذي يتعجب المتعجب من سعادتهم لكثرة ما يفيض الله عليهم من كرمه وإحسانه، ينبئك عن ذلك قوله تعالى «ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ» ٨ أي شيء عظيم هم عليه من السعادة الدائمة بما لا يتصوره المتصورون، وهذا التعجب تعظيم لشأنهم وتفخيم لقدرهم لأنهم كانوا في الدنيا ميامين مباركين، فجوزوا بالآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يتعجب مما أعطاهم ربهم المتعجبون، ويتنافس فيما أفاض عليهم من كرمه المتنافسون «وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ» جانب الشمال الذين يأخذون كتبهم بشمالهم ويساقون لذات الشمال وهي النار أجارنا الله منها، وهذا الزوج الثاني الذي يتعجب المتعجب من شقائهم لعظيم الغضب الذي يحل بهم من عقاب الله وانتقامه ويخبرك عن عظم هوله قوله جل قوله «ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ» ٩ شيء فظيع هم عليه وخطب كبير ألمّ بهم، بلغ منتهى الفظاعة، وهذا التعجب بليغ من سوء حالهم في الشقاء الذي لم يتصوره العقل وتحقير وتوبيخ لهم، لأنهم كانوا في الدنيا مشائيم أدنياء، ثم نوه بالزوج الثالث الذي هو الأول في المرتبة وقد أخره في الذكر لأنه تعالى ذكر أوائل هذه السورة القيامة وأهوالها ترهيبا للمسيء ليرجع عن إساءته وترغيبا للمحسن ليزداد في إحسانه، فقدم أصحاب اليمين ليرغب السامعون، وثنى بأصحاب الشمال ليرهبوا، وثلث بهذا الصنف الذي تتطاول إليه الأعناق، وتصيخ لما خصصوا به الأسماع، ليتشوقوا إليه منوها بفضلهم بقوله «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ» ١٠ الأول مبتدأ والثاني خبره، أي إلى الجنة، لأنهم كانوا يتسابقون بأعمال الخير في الدنيا
«أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» ١١ لجوار الله وكرامته الكائنون غدا «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» ١٢ بلا حساب ولا عتاب