إذ «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ»(٣٨) يبين فيه زمان ومكان وقوعه والسّبب المبتنى عليه والفائدة التي تنشا عنه، وهذه بمعرض استبطائهم ما خوفهم به حضرة الرّسول من نزول العذاب لأنه لا شك نازل بهم ولكن لم يحن أجله بعد وهو قريب منهم، قال تعالى «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ» من مقدرانه التي أظهرها لملائكته وكلمة يمحو كررت في الآية ١٢ من الإسراء ج ١ وفي الآية ٢٤ من الشّورى ج ٢ فقط «وَيُثْبِتُ» منها ما يشاء فينفذه «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ»(٣٩) الذي فيه كل شيء مما كان ويكون في الدّنيا والآخرة فلا يقع شيء فيهما إلّا وهو مدون فيه وقد أشرنا إلى ما يتعلق في هذا البحث في الآية ٤ من سورة الأنعام ج ٢، والمعنى أن الله تعالى قد يهيء للكافر الإسلام فيمحو كفره ويثبت إسلامه فيما يبدو للناس وهكذا ينقلب من الشّقاء للسعادة كما يقلب بعض عباده من الفقر إلى الغنى ومن السقم للصحة ومن الذل للعز وبالعكس مما أظهره الله لملائكة وعلقه على أشياء قد يفعلها العبد بمقتضى حكمته فتبدل حاله من شيء إلى أحسن وبالعكس، ومن هذا القبيل زيادة العمر ونقصه فعلا أو بما يبارك له ويوفقه لدوام الطّاعة وتمادي العافية كما ينقصه معنى أضداد هذه، راجع الآية الثانية من سورة الأنفال المارة وما ترشدك إليه من المواضع، وهناك أحكام مبرمة مدونة في لوحه أيضا لا يعتريها التبديل والتغيير أبدا مهما فعل أهلها. قال تعالى «وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ» يا خاتم الرّسل «بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ» من العذاب «أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» قبله فنريكه بالآخرة بأن نمثل لك وقوعه فيهم كما كان في الدّنيا فضلا عن عذاب الآخرة، راجع الآية ٣٠ من آل عمران المارة وما ترشدك إليه، فلا يهمنك شأن من لم يؤمن «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ» هم والمداومة عليه فقط، وعليهم أن يؤمنوا ويقبلوا إرشادك ونصحك، وإن لم يقبلوا فعليهم الوبال «وَعَلَيْنَا الْحِسابُ» ٤٠ والجزاء لمن أعرض عن بلاغك، ولا تتعجل نزول العذاب بهم يا محمد فإن له أجلا لا يتعداه ولا يتقدم عليه بمقتضى الكتاب المشار إليه آنفا. ونظير هذه الآية الآية ٧٨ من سورة المؤمن والآية ٤٦ من سورة يونس والآيتين ٦٣ و ٦٤ من سورة المؤمنين في ج ٢ فقط لا يوجد غيرها في القرآن كله والله أعلم.