تعالى بعد أن بين له ذلك وعلم أنه لم ينجع به ذكره بما لا بدّله منه في دنياه لعله يعتبر فقال «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ٢٤» كيف يسره له وكيف يأكله وكيف يبقي ما فيه حياته وينتفع به وجوده ويخرج منه فضلاته التي لو بقيت أهلكته وكيف علمه الضار منه فاجتنبه والنافع فأكله مما يحار به العقل، ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقول عند خروجه من المستراح الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ثم بين كيفية خلق طعامه فقال «أَنَّا» نحن الإله المنفرد في ملكوته «صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ٢٥» من السماء على الأرض لتنعش وتربو «ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦» بالنبات والأشجار الخارجة، ثم بين جل شأنه ثمانية أنواع من النبات فقال «فَأَنْبَتْنا فِيها» أي الأرض بسبب ذلك الماء «حَبًّا ٢٧» يتغذى به الإنسان والحيوان مختلفا لونه وشكله وطعمه ويفيد التنوين التعميم بما يشمل الحنطة والذرة والشعير والعدس وغيرها «وَعِنَباً» يتفكه به كسائر الفواكه الأخرى، لأنه ذكر أمهات الأشياء اكتفاء عما يتفرع عنها «وَقَضْباً ٢٨» في كل ما يقضب ويقطع مرة بعد أخرى كالبقدونس والنعنع والفصة فانها كلما حصد شيء منها ظهر بدله والقضبة الرطبة فإذا يبست تسمى قثا، وقال بعض المفسرين القضب كل ما يعلف للدواب وهو جدير لولا أن تأتي كلمة الأب بعد، فهي أولى بهذا المعنى وهو من خصائص الحيوان لأن الله تعالى ذكر أولا ما يخصّ الإنسان وقد عطف عليه قوله «وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا ٢٩» وهاتان الشجرتان أكثر نفعا من غيرهما لأنهما فاكهة وإدام ويؤكل ثمرهما رطبا ويدخر أيضا «وَحَدائِقَ» جنات وبساتين عظيمة منافعها «غُلْباً ٣٠» غلاظ أشجارها ملتفة على بعضها
ثم عمم فقال «وَفاكِهَةً» من كل يتفكه به الإنسان من تفاح وخوخ وإجاص وكمثرى وسفرجل ومشمس وغيرها «وَأَبًّا ٣١» من كل نبات وشجر وحب يتغذى به الحيوان ويتملح به يابسا أو أخضر وما قيل أن الأب بلغة الحبشة الفاكهة وفسرها بها فغير سديد لانها تكون مكررة إذ ذكرت الفاكهة قبله قال تعالى: وجعلنا هذه النباتات «مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ٣٢» الأب خاصة فاشكروا نعمة الله عليكم أيها الناس لأنّا نمتعكم بذلك كله وغيره متاعا زائلا