للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك القول رفع التاج عن رأسه فظهرت لهم تلك العلامة، وهذا أيضا قوله تعالى (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) الآية ١٥ المارة، وقيل أنّهم قالوا أولا على سبيل الشك والوهم لتشبيههم ثناياه بثنايا يوسف لشدة بياضها، فلما رفع التاج عن راسه عرفوه يقينا فصرخ و «قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي» ذكر أخاه مع أنه معلوم لأن البحث كان دائرا حوله، وصرح باسمه هو تعظيما لما نزل منهم به، ولما عوضه الله تعالى من الظفر والملك، ثم أكد لهم تعريفه بقوله «قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا» بالألفة بعد الفرقة، والمحبة بعد العداوة، وجمعنا وخلصنا مما وقع بنا، وفضلنا بالدين والدنيا والآخرة «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ» الله في جميع أموره ويأتمر بأمره وينتهي بنهيه «وَيَصْبِرْ» على ما يصيبه وعلى ما حرمه الله وعلى مشاقّ الطاعة وشهوة المعصية، فإن الله تعالى يعده محسنا ويجزيه الجزاء الأوفى.

وذكر الصبر بعد التقوى من ذكر الخاص بعد العام، لأنه مندرج في معناها «فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ٩٠» في هذه الدنيا، وهذا من كماله أيضا عليه السلام، إذ بدأهم بتذكير نعم الله عليه بالسلامة والكرامة ولم يفاجئهم بالتعنيف والملامة،

«قالُوا» كلهم بلسان واحد «تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا» اختارك وفضلك بالعلم والحلم والصبر والتقوى والحسن والعقل والملك والرسالة، ومن قال بالنبوة فقد أخطأ المرمى، لأنهم كلهم أنبياء إذ ذاك، والنبوة من حيث هي متساوية بخلاف الرسالة، لأن منهم من هو من أولي العزم، وتفضيل الأنبياء الوارد في قوله تعالى، ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض الآية ٥٥ من الإسراء المارة في ج ١، إنما ذلك بكثرة الاتباع وما خص به بعضهم من النعم والمعجزات، وما نزل عليهم من الصحف، ثم بادروا بالاعتراف بخطئهم دون تقدم عذر ما بقولهم «وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ ٩١» فيما صنعناه بك عمدا لأن فعل خطأ بمعنى تعمد بخلاف مخطئين فإنه من أخطأ إذا نسى وسها، أي لا جرم أننا لم نتّق الله والإثم فيك، ولم نصبر على ما رأيناه من اصطفاء أبينا لك دوننا حال صغرنا ولهذا فإن الله تعالى أعزك وأجلّك، وسلطك علينا، وأن الله تعالى قدّر سلطانك هذا على فعلنا فيك. وفي اعترافهم بالخطأ استنزال لإحسانه عليهم واستعطاف لعفوه

<<  <  ج: ص:  >  >>